بحث حول الرجعة
الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر


وبه نستعين
مفهوم الرجعة عنوان ينطبق على عدد من المعاني التي بعضها أكيد الصحة وقد قام الدليل عليه، وبعضها غير واضح بذلك الوضوح، أقصد من ناحية دليله.
وبالرغم من إن الآخرين قد أخذوا على الشيعة عدة مفاهيم يؤمنون بها ـ ومنها الرجعة ـ على إنها مفاهيم فاسدة باطلة، إلا إنها من زاوية الرجعة ـ التي نتكلم عنها الآن ـ نقول: إن كان بعض المعاني والتفسيرات للرجعة يمكن أن تكون في نظركم فاسدة، فإن هناك للرجعة تفسيرات صحيحة.
ومنها ما هو نص في القرآن الكريم، ومنها ما يتبنى الاتجاه التقليدي عندكم على الأيمان به ولا سبيل إلى إنكاره، كما سوف نوضح مفصلاً. فإن كانت الرجعة تنطبق على هذه الأمور بالذات إذن فأنتم تقولون بالرجعة وليس الشيعة فقط.


والمفهوم اللغوي للرجعة لا يعني أكثر من رجوع شيء بعد ابتعاده عنه، فقد كانا متجاورين ثم افترقا بسبب ما، ثم يعود أحدهما المعيّن إلى الأخر.
وهذا المفهوم اللغوي ينطبق إجمالاً على كل مفاهيم الرجعة ومعانيها.  فهو قد كان مجتمعاً مع البشرية فيDفمثلاً إذا قلنا برجعة الإمام أمير المؤمنين  عصره ـ في صدر الإسلام ـ ثم افترق عنها بموته، ثم يعود إليها من جديد، وهكذا.
و الأفضل الآن أن نقضي الوقت الآتي باستعراض المهم من معاني الرجعة وتفسيراتها لنرى مقدار ما قام الدليل على صحته منها، مع الالتفات إلى إننا لا نستطيع أن نجزم ببطلان بعض المعاني منها ونستدل على فساده، ولا إن أولئك الآخرين يستطيعون ذلك. فقد قال ابن سينا قولته المشهورة: (ما قرع سمعك فذره في ساحة الإمكان حتى يذودك عنه ساطع البرهان).
وقد علّمنا ديننا إن ما سمعناه مما لا دليل على صحته لا حاجة إلى المبادرة إلى إنكاره، بل نوكل علمه إلى الله وإلى الراسخين في العلم، إذ لعلنا إذا أنكرناه واعتقدنا بفساده فقد نعتقد بفساد ما هو حق واقعاً، ومجرد الاحتمال كاف بهذا الصدد، وهذا الاحتمال قائم في ذهننا بالضرورة وفي أذهان أولئك الآخرين أيضا.
و إنما بادروا إلى إنكاره، من زاوية (مادية) لا من زاوية دينية، من حيث يعلمون أو لا يعلمون، لأننا ينبغي أن نعترف إن الرجعة بأي معانيها لا يمكن إثباتها على مستوى (المادي) أو الماديين، إلا بعد بطلان التطرف المادي في عقولهم، وهذا البرهان قائم لدينا بعونه سبحانه، فنحن في فسحة من هذه الناحية.
إلا إن بعض المذاهب الإسلامية. بالرغم من انطلاقها من منطلق ديني ـ على ما هو المفروض ـ إلا إنها لم تنكر الرجعة من هذا المنطلق، إذ لا يوجد دليل على بطلانها و إنما كل ما في الأمر أنه قد يقال: أنه لا يوجد دليل على صحتها، وهذا ما سوف نبحثه عما قريب بعونه تعالى.
إذن فالاحتمال على صحتها قائم دينياً.
إذن فالمبادرة إلى إنكارها غير جائزة، ويجب إيكال علمها إلى الله عز وجل.
وينبغي الالتفات أيضاً إلى إن مفهوم الرجعة بأكثر معانيه، أو قل: انه هو كمفهوم مجرد، ليس من ضرورات الدين وواضحاته كوجوب الصلاة مثلاً. بحيث يجب الأيمان بها على كل حال، ويكون إنكارها إنكاراً للدين. كلاً، بل يكفي للجاهل به أن يوكل علمه إلى الله عز وجل. ويعترف بجهله في هذا المجال. شأنه في ذلك شأن بعض المفاهيم الأخرى كوجود الجنة والنار قبل يوم الحساب،  وهكذا. فكلها مما يجب إيكال علمها إليه8أو نزول جبرائيل إلى الأرض بعد النبي  سبحانه ولا يجوز المبادرة لإنكارها وإن لم يكن إنكارها خروجاً عن الدين.