بل إما نحمل هذه الأخبار على التقريب – كما ذكرنا ـ أو نأخذ بأقل التقادير، باعتبار أنه المقدار المسلم بين الأخبار ، والزائد مشكوك لم يثبت تاريخياً .وأقل النسب هو ذهاب الثلثين وبقاء الثلث ،وإذا صح جوابنا على النسب العالية للهلاك صح جوابنا على النسب الأقل بطريق أولى .

يضاف إلى ذلك أجوبة أخرى: أهمها : إن المحافظة على أصحاب الإمام  الخاصة بل وغير الخاصة ، ليس يحتاج إلى العناية والتأييد الخاص ، بل يمكن أن يكون طبيعياً خالصاً .وذلك انطلاقاً من زاويتين :

الزاوية الأولى : إن الأسلحة التي تشمل بالفناء كل البشرية سوف لن تستعمل ، لأنها توجب فناء الدولة الضاربة ...وهذا واضح .

الزاوية الثانية : أنه لا دليل على شمول الحرب لكل دول العالم وأقاليمه . وإنما سوف تقتصر على المناطق التي تكون محكومة للدول المتحاربة ، ولكل اصدقائها ومحالفيها ....وهي بكل سكانها نسبة عظمى من العالم قد تزيد على ثلاثة أرباع  سكانه .

فلو هلك أكثر هؤلاء مع القليل من غيرهم ، يكون الهالك بالنسبة التي فهمناها أخيراً .

ومن الواضح والسهل افتراض أن يكون هؤلاء المخلصون المعدون لنصرة الإمام القائد المهدي (ع) موجودين في الدول غير المشاركة في الحرب . فمهما نالهم من الضرر نتيجة للحرب العالمية ، فإنهم يبقون على قيد الحياة على أي حال ،وهو المطلوب .

وهذا هو المقصود من قوله (ع) في إحدى الروايات :أما ترضون أن تكونوا في الثلث الباقي ...

إذن ، فسوف يقل أعداء المهدي (ع) دون أصحابه وناصريه ،وهو المقصود من أن وجود الحرب العالمية تشكل إحدى الضمانات لإنتصاره (ع) .

السؤال الثاني : أنه إذا قامت الحرب العالمية الرهيبة التي تذهب بأكثر أفراد البشر ...فمعنى ذلك زوال معالم الحضارة الحديثة  بكل حقولها وموت كل الإختصاصيين في فروع المعرفة . فماذا يبقى لعصر ما بعد الظهور من حضارة ومدنية ؟ ومعه فكيف يعم الرفاه كل البشر بدون ذلك ؟!


صفحة (342)
 

وجواب ذلك : أن المهم من معالم الحضارة الحديثة التي يمكن أن يفيد منها عصر ما  بعد الظهور، ليس هو المباني والشوارع والجسور ونحوها . بل الأهم هو المصانع الكبرى والمختبرات العلمية وخبراؤها والمصادر التي تتحدث عن العلوم التي تخصها أعني الكتب والوثائق التي تخص هذه الحقول .فإن هذا هو أفضل ما انتجته أوروبا من خدمات إنسانية.

ومن الممكن القول ـ أن كل ذلك يمكن أن يعبر الحرب إلى ما بعدها سالماً . وذلك لأن الحرب تستهدف أساساً الجيوش والأسلحة ومصانعها والعواصم والمدن الكبيرة والمعسكرات ونحوها ،ولن تستهدف معامل صنع السيارات  والزجاج بطبيعة الحال . فما يتلف تحت التفجيرات الذرية والهيدروجينية هو ذلك ...وكذلك قسم كبير من الناس ، والقسم الأوفر هو الذي يموت متأثراً بالإشعاع بعد ذلك .ويكون موته محسوباً على الحرب بطبيعة الحال .

إذن فأغلب المصانع سوف لن تتلف تحت الضرب ولا يضرها الإشعاع بطبيعة الحال مضافاً إلى أن عدداً من المصانع موجودة في الدول غير المشتركة في الحرب . ولن تتلف الوثائق والكتب الخاصة بهذه الحقول أيضاً .

وأما الخبراء . فأغلب الظن أن الموجود منهم في الدول المشتركة في الحرب ، سوف ينتهي أو يقارب النهاية . فلو لم يكن هناك خبراء آخرون في العالم لتوقفت المعامل عن العمل .إلا أننا نعيش الفكرة في هذا العصر بوضوح ...إن الخبراء  في الدول الصغيرة عدد كبير لايستهان به وهم في ازدياد مستمر ، مضافاً إلى أن أنحفاظ المصادر  والوثائق الخاصة بحقول المعرفة الصناعية تتيح للإنسانية انتاج خبراء اكثر.

إذن ، فالحرب ، وإن كانت قاتلة لأعداد بشرية هائلة فوق الحسبان بكثير ، غير أنها لن تنال الجانب الصناعي بضرر كبير ، الأمر الذي يوفر فرصة الإستفادة منه في عصر ما بعد الظهور .

السؤال الثالث : إن معنى ما سمعناه في هذا الضمان الثاني لإنتصار الإمام المهدي (ع) . أن قيام الحرب العالمية هي الضمان الرئيسي لإنتصاره ، وأما إذا لم تقم الحرب إلى حين الظهور ، فسوف لن يستطيع النصر ولا تحقيق الدولة العالمية العادلة ، إذ أنه سيواجه القوى العالمية بكل جبروتها ، الأمر الذي يجعل انتصاره أمراً متعذرأ .


صفحة (343)
 

وجواب ذلك  من عدة وجوه :

الوجه الأول : أننا بعد أن  نعرف أن ( الظهور) المنتج للدولة العالمية العادلة هو الهدف البشري الأعلى . وقد عرفنا في التاريخ السابق وفي هذا التاريخ . أن الله تعالى يحقق كل ماهو لازم لإنجاز هذا الهدف ، إن أمكن ذلك بالطريق الطبيعي (المخطط) فهو ، وإلا فبالطريق الإعجازي . وقد استنتجنا من ذلك عدة نتائج تمت إلى عصرالغيبة بصلة .

ومن هنا يتبرهن بالضرورة كونه منتصراً على كل حال ، في كل غزواته وفتوحاته ، وأن الدولة العالمية العادلة ناتجة على يده لا محالة ، سواء وقعت الحرب العالمية قبل الظهور أولا .

الوجه الثاني : أنه لو لم تحدث الحرب العالمية ، كان هذا الضمان منتفياً . ولكن تبقى الضمانات الأخرى على حالها للمشاركة في إنجاز النصر بعد الظهور. وهب فعالة شديدة التأثير ضد أعظم القوى العالمية. وقد سمعنا بعضها ويأتي لبعض الآخر.

الوجه الثالث : إن المهدي (ع) بقابلياته القيادية التي حملنا عنها أكثر من فكرة في أكثر من مناسبة ، يستطيع أن يخطط للحرب الفكرية والعسكرية في هذا العالم المليء بالظلم والطغيان ، ما يستطيع به أن يذلل كل عسير.

ونحن بالطبع ، حيث نكون سابقين على عصرالظهور ، لا تستطيع أن ندرك كنه تلك التخطيطات والأساليب . فيبقى إدراك ذلك موكولاً إلى عصر ما بعد الظهور .

السؤال الرابع : وهو يدور حول عبارة في الرواية التي سمعناها عن الشيخ في الغيبة بسنده عن ابي بصير عن أبي عبد الله (ع) :

  كان أمير المؤمنين (ع) قول : لا يزال الناس ينقصون حتى لا يقال الله .

فإن العبارة ذات دلالة على ان النقصان لا يحدث في الناس انفسهم بل يحدث في إيمانهم  وحتى لا يقال : الله باعتبار إنكارهم للعقيدة الإلهية .وهذا انحراف واضح نتيجة للتمحيص حين تمتلىء الأرض ظلماً  وجوراً .فهل كانت هذه الرواية قرينة على أن المراد من النقص المذكور في الروايات الخرى هو النقص في الإيمان لا في الأنفس ؟! ...


صفحة (344)