الوجه الثاني :

مجرد الصدفة ... وهو أمر محتمل في بعض المقابلات ، فيما إذا صادف المهدي (ع) في بعض أسفاره شخصاً أو أناساً محتاجين إلى العمل في سبيل إنقاذهم أو هدايتهم ... بشكل تتوفر فيه الشرائط .

وحمل جميع المقابلات على مجرد الصدفة ، غير ممكن لكثرة المقابلات على مر التاريخ ، بحيث نعلم أن عدداً مهماً منها كان نتيجة لتخطيط وتعمد من قبل المهدي (ع) ... إلا أن بعضها يمكن أن يكون قد حدث صدفة .

ومعه ، ففي مورد الصدفة لا حاجة إلى السؤال عن كيفية تجشم السفر أو استلزامه لانكشاف الغيبة . فإن المفروض إن السفر لم يكن لأجل المقابلة ، وإنما كان لأهداف أخرى خطط فيها بقاء الاختفاء واستمرار الغيبة .

الوجه الثالث :

إن المهدي (ع) إذ يعلم وجود مورد للعمل المثمر الحاصل على الشرائط في مكان بعيد عنه من العالم ، ويكون الطريق إليه مأموناً بالنسبة إليه ، فإنه يقصده قصداً ويسافر إليه عمداً بطريق طبيعي جداً ، ليقوم بالوظيفة الإسلامية المقدسة في أنحاء المعمورة .

وهذا ممكن للغاية ، مع التخطيط لدفع الأخطار المحتملة . حيث يكون للمهدي (ع) أن يسافر وأن يرجع بشخصيته الثانية ، ولا يكشف حقيقته إلا للفرد المنوي مقابلته .

ونحن بعد أن نلتفت إلى الوجوه الأخرى ،لا نجد هذا الوجه هو الغالب في المقبلات ،لكي يستلزم أن يكون المهدي(ع) مضطراً إلى السفر المتطاول المستمر في سبيل قضاء حوائج الناس ، كما فهمنا من السؤال .

وعلى أي حال ، فهذين الوجهين الثاني والثالث ، منسجمين أيضاً مع الأطروحتين الرئيسيتين ، فإن مصادفة مورد العمل أو قصده سفراً يمكن أن يكون مع اختفاء الشخص كما يمكن أن يكون مع خفاء العنوان .

صفحة (94)

الوجه الرابع :

اتخاذ المعجزة في قضاء الحاجة أو العمل في سبيل هداية أو دفع ظلامة . سواء من ناحية سرعة الوصول بشكل إعجازي إلى المناطق البعيدة من الأرض أو من أي ناحية أخرى تحتاج إلى الإعجاز .

وهذا الوجه منسجم مع كلتا الأطروحتين الرئيسيتين . ولكنه ، طبقاً لقانون المعجزات ، منحصر بما إذا تضمن العمل في بعض الموارد إقامة الحجة على الآخرين ، بإيجاد الهداية أو برفع بعض أشكال الظلم . ومن البعيد أن نتصوره متحققاً في قضاء حاجة شخصية مهما كانت الضرورة فيها قصوى ، ما لم يكن راجعاً إلى إقامة الحجة ، بنحو من الأنحاء .

وهذه المعجزة التي نتحدث عنها الآن ، هي غير تلك المعجزة التي يستعملها المهدي (ع) لإثبات حقيقته للآخرين . ومن هنا قد يحتاج إلى كلتا المعجزتين ، وقد يحتاج إلى إحداهما ، وقد يتكفل إنجاز كلا الغرضين: سرعة الوصول والكشف عن حقيقته ، بمعجزة واحدة . كما قد لا يحتاج إلى شيء منها أحياناً... ذلك باختلاف خصائص كل واقعة وكل شخص تطلب مقابلته .

وبهذا ينتهي المقصود من بيان ما تقتضيه القواعد في مقابلات المهدي (ع) ، فلا بد أن ننظر إلى الأخبار الخاصة لنرى مقدار ما تثبته من المشاهدة ، وهل أنه منسجم مع ما تمّ طبقاً للقواعد العامة أو لا .

الجهة الثانية :

في الأخبار الخاصة الدالة على مشاهدة الإمام المهدي (ع) في غيبته الكبرى . وهي عدد ضخم يفوق حد التواتر بكثير ، بحيث نعلم ، لدى مراجعتها واستقرائها ، بعدم الكذب والوهم والخطأ فيها في الجملة . وإن كانت كل رواية لو روعيت وحدها لكانت قابلة لبعض المناقشات على ما سوف يأتي .

والحاصل منها في اليد ، ما يفوق المئة ، يذكر منها الشيخ المجلس في البحار(1) عدداً منها ، ويذكر منها الحدث النوري في النجم الثاقب مئة كاملة .
ــــــــــــــــــ
(1) الجزء الثالث عشر ، ص 143 وما بعدها .

صفحة (95)

وقد كتب أيضاً رسالة خاصة في ذلك سماها "جنة المأوى" ألحقت بالجزء الثالث عشر من البحار ، يذكر فيها تسعاً وخمسين حادثة وهناك على الألسن والمصادر ال أخرى ما يزيد على ذلك بكثير .

على أننا سبق أن ذكرنا في تاريخ الغيبة الصغرى(1) أنه يحتمل – إن لم يكن يطمئن أو يجزم – بأن هناك مقابلات غير مروية أساساً ، وأن المهدي عليه السلام يتصل بعدد من المؤمنين في العالم في كل جيل ، مع حرصهم على عدم التفوه بذلك وكتمه إلا الأبد ، تحت عوامل نفسيه مختلفة شرحناها هناك . بل من الممكن القول بأن المقابلات غير المروية أكثر بكثير من المقابلات المروية .

وعلى أي حال ، فينبغي أن نتكلم في ما وردنا من الأخبار ، من حيث تحميص أقسامها ، ومن حيث معطيات مدلولها، في ضمن عدة أمور :

الأمر الأول :

في تمحيص هذه الروايات ، ومعرفة أقسامها ، فأنها ليست على نسق واحد وأسلوب مطرد في مقابلة المهدي عليه السلام ، بل يختلف الحال فيها اختلافاً كبيراً . ومرد هذا الاختلاف إلى الاختلاف في ظروف الشخص الرائي ومقدار وثاقته وضعفه وسنح الهدف الذي يستهدفه الإمام من وراء المقابلة ، وطريقة التخطيط الذي يضمن به سلامته وإخفاء نفسه . وبذلك تكاد تختلف كل رواية عن الأخرى ... وما يمكن أن يعنون من الاختلافات هو ما نذكره في الأقسام التالية ، نذكره بنحو قابل للتداخل وإمكان اندراج رواية واحدة في أكثر من قسم واحد :

القسم الأول :

ما كان منها متضمناً لإسناد أكثر من معجزة واحدة للإمام المهدي عليه السلام : اثنتين أو ثلاث ... وقد تصل إلى أربع .
ــــــــــــــــــ
(1) انظر ص 647 وما بعدها .

صفحة (96)