نعم ، هناك احتمال أن يراد بالحسني : النفس الزكية التي ورد أنها تقتل قبل الظهور بخمس عشرة ليلة .  إلا أنه ليس باحتمال وجيه ، لأن الخبر الدال على مقتل النفس الزكية في مثل ذلك الموعد ، غير مقبول بالتشدد السندي على ما سيأتي .  كما أن كون النفس الزكية التي تقتل في ذلك الحين – لو صح – من أولاد الحسن عليه السلام ، أمر لا دليل عليه .

ثانياً : اختلاف بني العباس في الملك الدنيوي :

وحقيقته التاريخية أوضح أيضاً من أن يفاض في تفاصيلها وقد سبق في هذا التاريخ والذي قبله عن ذلك الشيء الكثير .

ثالثاً : إقبال رايات سود من قبل خراسان .

وقد عرفنا انطباق ذلك على ثورة أبي مسلم الخراساني . وفي هذه العلامة اخبار مسندة نرويها فيما بعد .

رابعاً : ظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات :

ولعمري أن مصر قد غزت الشام واستولت عليها ، عدة مرات في التاريخ الاسلامي .  كالذي فعله ابن طولون ثم المعز الفاطمي ثم إبراهيم باشا .  ثم كان آخرها تلك المحاولة التي سميت باسم الجمهورية العربية المتحدة .

إلا أن المغربي من هؤلاء هو المعز الفاطمي،لأنه من ذرية المهدي العلوي الافريقي الذي نشر دعوته عام 396(1) في الشمال الافريقي . وبقيت دولته قائمة ، حتى انتقل عنها المعز معد بن اسماعيل إلى مصر عام 358 (2) .  وأزال عنها كافورا الأخشيدي .

وفي نفس العام سارت جيوشه إلى طبرية ومنها إلى دمشق .  واستولى عليها قائدة ابن فلاح عام 359 . وخطب فيها المعز واستقر فيها ملكه (3) .
فانظر كيف ظهر المغربي بمصر ، وملك الشامات ، طبقاً لهذه النبوءة .
___________________________________
(1) الكامل ، جـ  6 ، ص 133 .  (2) ابن الوردي ، جـ 1 ، ص 308 .   (3) المصدر ، ص 409 .

صفحة (472)

خامساً : نزول الترك الجزيرة :

وأرض الجزيرة هي أرض العراق فيما بين النهرين ، وهو اصطلاح قديم ومعروف .

وقد بقيت هذه الأرض تحت الحكم العثماني التركي ردحاً طويلاً من الزمن ، يبدأ من عام 941 هجرية ، ويستمر بقية القرن العاشر والقرون التي تليه حتى القرن الرابع عشر الحالي ، حيث سقط حكمهم عام 1335 هجرية ، بالاحتلال البريطاني للعراق (1) أثناء الحرب العالمية الأولى .

وهذه من التنبؤات التي حدثت بعد صدور الحديث وكتابته في المصادر بعدة قرون . حيث توفي الشيخ المفيد صاحب الارشاد عام 413 (2) .  وحصل الاحتلال التركي للعراق بعده بخمسمئة وثمانية وعشرين عاماً .  إذن فهو من هذه الناحية ، كعدد مما سبق ، تنبوءاً بالغيب على مستوى المعجزات .

سادساً : نزول الروم الرملة :

والروم في لغة عصر المعصومين عليهم السلام ، هم الأوروبيون بشكل عام ، كما سبق أن ذكر في تاريخ الغيبة الصغرى (3) .  والرملة منطقة في مصر ومنطقة في الشام .  وعلى كلا الحالين يكون هذا التنبوء اخباراً عن الاستعمار الفرنسي ، أما إلى مصر بقيادة نابليون بونابرت في حملته المشهورة ، أو إلى سوريا حيث بدأ الاحتلال الفرنسي فيها بإخراج العثمانيين عنها بعد الحرب العالمية الأولى .

وعلى أي حال ، فالنبّوءة واقعة وصحيحة على المستوى التاريخي .  وهذه أيضاً من التنبؤات الاعجازية التي سجلت في المصادر قبل حدوثها بقرون .

سابعاً : خلع العرب اعنتها وتملكها البلاد ، وخروجها عن سلطان العجم :

وهو ما نعيشه في هذا العصر ، عصر الثورات في البلاد العربية بقصد التحرر من الاستعمار الأجنبي ، وسيطرة أشخاص من أهل البلاد على الحكم .
__________________________________
(1) دليل خارطة بغداد ، ص 286 إلى ص 295 .   (2) أنظر الكني والألقاب ، جـ 3 ، ص 171 ، ط النجف 1376 – 1956 .
(3) أنظر ص 256 وما بعدها .

صفحة (473)

وخلع الاعنة تعبير مجازي أما عن الثورة أو عن الانحراف عن زمام الدين وأحكامه حلاً وتصريف الأمور تحت شعارات أخرى لا تمت إلى الدين بصلة .  وكلاهما قد حدث فعلاً .  والتعبير بالعرب ربما كان قرينة على ذلك ، حيث يمكن أن يدل على أن الثورات تقوم على أساس شعار العروبة لا على أساس الاسلام .

وتملكها البلاد يعني سيطرة الناس من أهل البلاد على الحكم .  وخروجها عن سلطان العجم عبارة عن محاولتها التحرر من الاستعمار والخروج عن سيطرته .  فان لفظ العجم غير مختص بالفرس ، كما يتخيل العامة ، بل يشمل كل شخص غير عربي ، مهما كانت لغته .

فانظر إلى هذا التنبؤ الذي لم يحدث إلا بعدما يزيد على الألف عام من صدوره وتسجيله في المصادر .

ثامناً : ثبق في الفرات ، حتى يدخل الماء في أزقة الكوفة :

يقال : ثبق النهر ، إذا كثر ماؤه وأسرع جريه .  وهو عبارة أخرى عن الفيضان .  وقد حصلت هذه النبوءة في العديد من السنين ، وشاهدت الكوفة مثل هذا الفيضان كثيراً .  وقد عاصرنا بعض ذلك .

تاسعاً : عقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة بغداد :

كان الناس في بغداد ، خلال العصر العباسي بشكل عام ، يكتفون بجسر أو جسرين بين جانبي دجلة (1) في الأغلب. وأما اليوم فبين جانبي بغداد عدة جسور ، بعضها تجاه الكرخ وبعضها تجاه الرصافة .

ولم نستطع أن نتبين تاريخياً أن أول جسر عقد إلى جانب الكرخ ، كان في أي  عام ومن قبل أي سلطة .  وليس ذلك مهماً في حدود بحثنا .

عاشراً : اختلاف صنفين من العجم ، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم :

وإذا كان المراد من العجم ، غير العرب من البشر ، كما قلنا ، كان كل حرب تقع بين معسكرين أو دولتين غير عربيتين ، يمكن أن يكون مصداقاً لهذه النبوءة . 
___________________________________
(1) أنظر دليل خارطة بغداد ، ص 149 وص 193 .

صفحة (474)

ويكفينا أن نعرف أن مثل هذه الحروب لم تكن مهمة ولا لفتة للنظر عالمياً في زمن النبي (ص) والأئمة المعصومين(ع). وإنما تمخضت هذه الحروب في الأزمنة المتأخرة عن ذلك بعدة قرون . 

ولسنا بحاجة إلى تحصيل المثال على ذلك ، من الحروب ... بعد الحروب التي وقعت بين ألمانيا وفرنسا أو بين بريطانيا أو بين تركيا واليونان ... أو غير ذلك خلال التاريخ الحديث .

بل يكفينا النظر إلى الحربين العالميتين الواقعتين في النصف الأول من القرن الحالي .  فان كل واحدة منهما تمثل خلافاً دموياً بين عدة دول غير عربية .  وقد تسببت إلى إزهاق الملايين من النفوس .  وقد كانت أشد تأثيراً على بلاد الاسلام من الحروب الأوروبية الداخلية التي كانت تحدث بين الافرنج في العصور الأسبق منها .

نكتفي بهذا المقدار من التنبؤات المتحققة تاريخياً ، وهي بمجموعها الواقعة دليلاً قطعياً على صدق قائليها المعصومين (ع) ذلك الصدق الدال على صدق سائر أقوالهم بما فيه اخبارهم عن ظهور الامام المهدي (ع) .

وقد يخطر في الذهن هذا السؤال : وهو أننا باستعراض هذه العلامات تاريخياً ، بل حتى العلامات التي لم تقع ، مما سنذكره ... نرى أن أكثرها تدور حول المنطقة الاسلامية من العالم .  وأما التعرض إلى الحوادث تقع في المناطق الأخرى فهو في غاية القلة .  فماذا حدث هذا الاختصاص .

فنقول في جوابه : إن لهذا الاختصاص دخلاً أساسياً في التخطيط الالهي ليوم الظهور .  فان المخلصين الممحصين الذين يتم إعدادهم لتكفل مسؤولية الظهور مع المهدي (ع) هم من المسلمين لا محالة .  وهم الذين ينبغي أن تنبههم العلامات – كما قلنا – إلى تحقق الظهور .  مضافاً إلى الأفراد المخلصين من المرتبتين الثانية والثالثة ، من مراتب الاخلاص التي قلناها .

ومعه فمن المنطق أن تختص هذه العلامات ، بالشكل الذي تحقق هذا الهدف ... وذلك لا يكون إلا إذا كانت تحدث في العالم الاسلامي ، أو تكون ملفتة لنظر المسلمين إن حدثت في الخارج .  وعلى هذا درجت كل العلامات الواردة عن النبي (ص) والأئمة (ع) إيفاء لهذا الغرض .

وبهذا ينتهي الكلام في النقطة الأولى من الناحية الأولى ، وهو ما دل التاريخ على حدوثه من العلامات .

صفحة (475)

النقطة الثانية :

فيما يشك في حدوثه من العلامات .
وما يمكن ضبطه من أسباب الشك ، كقاعدة عامة ، سببان :

أحدهما : الشك في مدلول الرواية ، باعتبار العلم برمزيتها ، وإن المراد منها مصاديق لا تتضح من اللفظ بصراحة.  ومن هنا لا يفهم بوضوح انطباقها على الحوادث التاريخية الحاصلة ... وعدمه .

ثانيهما : الشك في ماقاله التاريخ ، بمعنى احتمال أن يكون المشار إليه في بعض التنبوءات ، أموراً أهملها التاريخ، ولم يتعرض لها . وما أكثر ما أهمل التاريخ من الحوادث .

ويتدرج في ذلك عدد من الوقائع والحروب ، ونحوها ، المذكورة في هذه الروايات .  وسنحمل عنها فكرة كافية في الجهة الآتية من الكلام ان شاء الله تعالى .

لا يوجد ما يحول دون هذا الشك ، سوى التدقيق الزائد في فهم الروايات ، ومحاولة تنظيمها منطقياً موافقاص لقواعد الاسلام ، كما سنحاول في الجهة الآتية . مع التدقيق في المصادر التاريخية ، وفهمها فهماً منظماً أيضاً .  وما بقي من الشكوكات ، لو فرض ثبوتها بالتشدد ، فالأفضل إيكال علمها إلى الله عز وجل .

النقطة الثالثة :

فيما يشك في تقدمه على الظهور ، وتأخره عنه ، بأحد السببين السابقين .

ويكون تداركه بالتدقيق في الروايات وفهمها فهماً منظماً بما في ذلك الروايات التي تتحدث عن الحوادث السابقة على الظهور أو التي تتحدث عما يحدث بعده .

والضابط الذي يمكن التوصل إليه الآن ، قبل الوصول إلى تفاصيل الجهة الآتية : هو أن كل حادثة تدل على الانحراف أو على بعض نتائجه ، فهي متقدمة على الظهور ، باعتبارها مرتبطة بعصر الفتن والانحراف المسبب عن التمحيص الالهي ، كما سبق أن عرفنا .

صفحة (476)

وكل رواية تدل على حسن الزمان وحصول الرفاه فيه وتطبيق الاسلام ، فهو راجع إلى ما بعد الظهور .  وقد أسلفنا ذلك ، وأقمنا القرينة على أن ما دل على الانحراف غير مربوط بالحوادث المباشرة لقيام الساعة ، بل بالحوادث السابقة على الظهور .

إلا أن ما يندرج ضمن هذا الشك قليل نسبياً ، مع تكفل الكثير من الروايات ، التصريح بهذا التوقيت .

النقطة الرابعة :

فيما يعلم بتأخره عن الظهور من الحوادث .  وهو لا يكون من علامات الظهور بطبيعة الحال .

يندرج في ذلك : ما يقع بعد الظهور مباشرة أو ما ينتج عنه ، أو ما يقع بعده بتاريخ طويل ، أو ما يقع قبل الساعة مباشرة .وكل ذلك قد نفرض قيام الدليل على تعيينه الزمني ، كما هو الأغلب ، وقد نفرض الشك في ذلك وتعذر الاستدلال عليه ... فيبقى علمه إلى الله عز وجل .وكل ذلك مما سنذكر تفاصيله في التاريخ الاتي من هذه الموسوعة إن شاء الله تعالى .

وبهذا تنتهي الناحية الأولى من الجهة الرابعة ، في الترتيب الزمني للحوادث .

الناحية الثانية :

في انقسام علامات الظهور من ناحية وقوعها على الأسلوب الطبيعي أو الاعجازي .

وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام ، يقع الكلام فيها ضمن ثلاث نقاط :

النقطة الأولى :

في الحادث الطبيعي الذي لا إعجاز فيه .  وإنما اكتسب علاميته وإماريته عن الظهور ، باعتباره حادثاً مهماً ملفتاً للنظر ، اختاره النبي (ص) أو أحد الأئمة عليهم السلام ، ليكون دالاً على الظهور .

يندرج في ذلك كل ما أسلفناه مما وقع من العلامات في التاريخ ، وكل الحوادث التي اكتسبت علاميتها ودلالتها باعتبار دخلها في التخطيط الالهي كما قلنا .  كما يتدرج في ذلك كثير من العلامات المروية الأخرى ، كقتل النفس الزكية وخروج الدجال ، وعدد من الحروب المروية مما عرفناه ومما سنعرفه .

صفحة (477)

ولابد أن نلاحظ ، بهذا الصدد أن المراد من كونه طبيعياً ، هو أن الحادث المقصود حقيقة للرواية لم يقع عن طريق المعجزة . وقد تكون الدلالة المطابقية معه جنة ونار على الرمز ، توحي بوجود المعجزة ، كالخبر الذي ورد عن الدجال ان معه جنة ونار فناره جنة وجنته نار ، والخبر الذي ورد عن انحسار الفرات عن كنز من ذهب .  ونحوه مما سيأتي مع تفسيره في الجهة الآتية .

النقطة الثانية :

ما كان قائماً على المعجزة بمقدار إقامة الحجة ، طبقاً لقانون المعجزات الذي ذكرناه .

ونحن في صدد حساب ذلك ، لابد أن نرجع فيه إلى كل مورد ، لنرى مطابقته لهذا القانون وعدمه .  وهذا واضح .

وانما لابد الآن من الاشارة إلى ما سبق ان اشرنا إليه ، ولم نعط تفسيره الكامل . من ان المستفاد من بعض الروايات قيام بعض العلامات على الاعجاز ، خصيصا لتنبيه المخلصين الممحصين على الظهور . فما هو تفسير ذلك ؟.

ولعل اوضحها واصرحها في ذلك ما روته المصادر الامامية ، بسند يكاد يكون متشابها لولا اختلاف في نسخ النساخ ، عن ابي جعفر الباقر عليه السلام انه قال : - برواية الشيخ الطوسي (1) - : "آيتان تكونان قبل القائم ، لم تكونا منذ هبط آدم عليه السلام إلى الأرض .  تنكسف الشمس في النصف من شهر رمضان والقمر في آخره .

فقال رجل : يا ابن رسول الله ، تنكسف الشمس في آخر الشهر ، والقمر في النصف ؟

فقال أبو جعفر : أني لأعلم بما تقول ، ولكنهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم عليه السلام " .
_______________________________
(1) الغيبة ، ص 270 وانظر الارشاد ص 339 وغيبة النعماني ص 144 .

صفحة (478)  

وروى النعماني في غيبته (1) عن ابي جعفر عليه السلام ايضا انه قال : " ان بين يدي هذا الامر انكساف القمر لخمس تبقى والشمس لخمس عشرة ، وذلك في شهر رمضان ، وعنده يسقط حساب المنجمين " .

وبسند آخر عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام انه قال : "علامة خروج المهدي كسوف الشمس في شهر رمضان في ثلاث عشرة واربع عشرة منه " .

ولا شك بامكان ذلك عقلا ، وليس بمستحيل فالكسوف الشمسي يقع بسبب توسط القمر بين الشمس والأرض .  ومن الواضح انه لا فرق في النتيجة وهي اختفاء الشمس ، بين ان يكون القمر مظلما في آخر الشهر او ان يكون مضيئاً في وسطه .

كما ان خسوف القمر يحدث لتوسط الأرض بينه وبين ان يكون هلالا في اول الشهر او آخره ، وبين ان يكون بدرا في وسطه .  غير ان الظل الارضي اذا صار على القسم المظلم من القمر لم يؤثر فيه شيء ولم يكن رؤيته .  وأما اذا صار هذا الظل على القسم المضيء من القمر ، اي الهلال ، اثر فيه وذهب ببعضه او بجميعه .

فيحسب التجريد العقلي ممكن وبقدرة الله تعالى ممكن .  وهو الذي خلق الكون ، وله التصرف فيه كيف يشاء .  وانما الشيء الذي لابد ان نعرفه هو مطابقته لقانون المعجزات ، مع التأكد من كفاية هذه الاخبار للاثبات التاريخي مع التشدد السندي الذي تسير عليه

اما بحسب قانون المعجزات ، فلا شك ان في حدوث ذلك تأكيدا وترسيخا لفكرة المهدي (ع) في اذهان الناس ، لا عند المخلصين الممحصين فقط ، بل عند كل من يعرف بان هذه الآية ستقع قبل الظهور .  وسيتحول العديد من الناس إلى أشد المؤمنين بالمهدي (ع) والمدافعين عنه ، ممن لم يكن قبل ذلك على هذا الايمان .  أو بتعبير آخر : انه يوجب صعود درجات الاخلاص في انفس المخلصين لإحدى مراتب الاخلاص السابقة .
______________________
(1) ص 145 .

صفحة (479)

ولعل ظاهر هذه الروايات ، كون هذه الآية من الآيات القريبة من الظهور .  ومعه يكون ايجادها ارشادا وتنبيها للمخلصين الممحصين بالاستعداد للقاء القائم المهدي (ع) والجهاد بين يديه .  باعتبار ان الفرد منهم لا يشعر بنجاز شرط الظهور وتحقق كما قلنا .  ولعله أيضا يغفل عن عدد العلامات التي تقع وقوعا طبيعيا او يجهل ارتباطها بالمهدي (ع) .  ومن هنا كان لا بد للتنبيه القوي أن يقع لكي يهز كل الضمائر المخلصة .

ومن المعلوم ان التفات مجموع المخلصين الممحصين إلى قرب الظهور ووقوعه ضروري .  لان المفروض ان عددهم بمقدار الحالة لا أكثر ، فان نقصوا كان ذلك مخلا بنجاح اليوم الموعود .  ومن هنا انبثقت الحاجة إلى هاتين الآيتين .

واما من حيث كفاية هذه الاخبار للاثبات التاريخي ، فهي من حيث العدد متعاضدة ومتساندة في اثبات مؤداها .  ومعه تكون مقبولة ، ما لم تَّتَنَافَ مع قانون المعجزات ، والاّ لزم رفضها .  فلو جزمنا بتوقف اقامة الحجة ، او ايجاد اليوم الموعود عليها ، فهو ، والا كان قانون المعجزات منافيا مع هذه الروايات .

ونحن لا نستطيع الجزم بهذا التوقف لكفاية المعجزات الاخرى لاقامة الحجة واضطلاعها بالمهمة ، فلا يتعين الحاجة إلى هذه المعجزة بالتعيين .

نعم ، لو لم تكن هذه الظاهرة اعجازية ، بل كانت نادرة الوقوع جدا في الكون ، بحيث لم توجد في عمر البشرية الطويل وان كانت لعلها قد وجدت قبلها ، كما قد يستشعر من الرواية .  ففي مثل ذلك تكون الروايات الدالة على حدوثها كافية للاثبات التاريخي .

الا ان هذا الفهم بعيد جدا ، بعد فرض حدوث الخسوف والكسوف النادرين في شهر واحد ، فتبقى الظاهرة اعجازية. ولتدقيق هذه الفكرة مجال آخر .

ولعل مما يتدرج ضمن هذه المعجزات : الصيحة والنداء ، مما لم نحمله على محمل طبيعي .  ومنها الخسف بالبيداء اذا لم نحمله على العقاب الدنيوي المستعجل أو على حماية أهل الحق .  وسيأتي التعرض إلى كل ذلك في الجهة الآتية ان شاء الله تعالى .

صفحة (480)