أدلة الحكم الشرعي للكذب


الكذب حرام في الشريعة الإسلامية بالأدلة الأربعة.
أما دلالة القرآن الكريم عليه فواضح بعد كل الذي سمعناه من الآيات الكريمات، بل عرفنا انه مما وعد عليه بالنار في القرآن الكريم. فيكون من الكبائر دون الصغائر. لا يختلف في كونه كبيرة من الذنوب عن الزنا والسرقة وقتل النفس المحترمة.
بل هو كبيرة باعتبار كل تعاريف الذنوب الكبيرة من حيث ان فيها احتمالات، يندرج الكذب في جميعها، منها:
أولا: إن الذنوب الكبيرة هي ما هدد عليه القرآن الكريم بالنار.
ثانياً: إنها هي التي تم تحريمها في القرآن.

 

ثالثاً: إنها الذنوب التي هدد عليها بالنار في الكتاب والسنة.
رابعاً: إنها الذنوب الأكثر أهمية في نظر الشارع.
إلى غير ذلك من التعاريف. ونجد ان الكذب يندرج فيها جميعاً، ولا دخل في الصغائر بأي تعريف منها.
وأما دلالة السنة الشريفة على ذلك، فالاستدلال إما أن يكون بالأخبار أو بالسيرة العقلائية أو بالسيرة المتشرعية أو بالارتكاز المتشرعي.
وأما الأخبار فلا حاجة إلى تجشم سردها بعد وضوحها وتوافرها، فليرجع فيها القارئ إلى مصادرها.
وأما السيرة العقلائية، فان يقال: انه لا شك ان العقلاء بما هم عقلاء يستنكرون الكذب ويستهجنونه، ويعدونه ضرراً على أغراضهم ومقاصدهم ونقطة سوء وضعف في أقوالهم وأفعالهم. وبالتالي فهو من المحرمات أو الممنوعات في نظرهم. وهذه السيرة لا شك إنها كانت في زمن المعصومين سلام الله عليهم. ولا شك إنها ممضاة من قبلهم عليهم السلام. إذا لو لم تكن ممضاة لوردنا الخبر بالنهي عنها أو نفي مدلولها، ولو بخبر ضعيف ولم يرد. بل وردت الأخبار والآيات مؤيدة لها وداعية لمضمونها.
وقد يخطر في الذهن: انه كيف نقول: ان الكذب محرم عند العقلاء مع العلم ان الجميع ملتزمون به ومستمرون عليه. بل يعتبر الكذب عصبهم الرئيسي في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية وغيرها. إذن، فالسيرة العقلائية على تحريم الكذب غير متحققة.
وجواب ذلك: ان من الصحيح استمرار الناس على الكذب. إلا إن هذا لا يعني كونه غير محرم في نظرهم، بل هم يرون أنفسهم حين يكذبون إنهم يعملون العمل المرجوح والفعل المحرم. والالتزام بالمحرم ليس ببعيد على النفوس الضعيفة والضمائر الجاهلة.
غير انه من الممكن ان يكون هذا الإشكال مما يغير صيغة الاستدلال، وان كانت النتيجة واحدة. فإننا إن استدللنا بالسيرة العقلائية كسيرة عملية، وجدنا ان سيرتهم العملية على الكذب لا على تركه. ولكن إذا استدللنا بالارتكاز لعقلائنا أو التسعير العقلائي للأشياء. وجدناهم يعطون الكذب سعراً رديئاً ومرجوحاً، بل محرماً. وهذا الارتكاز حجة لإمضائه شرعاً.
وأما الاستدلال بسيرة المتشرعة فواضح، من حيث ان المتشرع بصفته متشرعاً، لا يكذب ولا يأتي بشيء من المحرمات ولا يترك شيئاً من الواجبات. بل من الواضح عندهم ان وجود العدالة لدى أي فرد تتوقف على عدم التزامه بالكذب. كما ان وجود الفسق يتوقف على التزامه به، والعياذ بالله سبحانه.
وأما ارتكاز المتشرعة أو الارتكاز المتشرعي، فأوضح من أن يذكر أو يسطر، لاعتقادهم لا شك بحرمته وقبحه ووضاعة فاعله.
وسيرة المتشرعة حجة، ولا تحتاج، إلى القول بإمضاء المعصومين عليهم السلام لها، كالسيرة العقلائية، لان السيرة العقلائية ناشئة من غير المنشأ الشرعي، فنحتاج في حجيتها أو انتسابها إلى الشريعة، إلى الإمضاء.
أما السيرة المتشرعية، فهي منتسبة بذاتها إلى المعصومين سلام الله عليهم ولا يمكن ان تحدث بدون تعليمهم وتوجيههم. إذن، فنعلم انتسابها رأساً وأساسا إليهم سلام الله عليهم، وبهذا تكون حجة رأساً. وبخاصة في موضوع واضح ومنصوص عليه في القرآن الكريم، كالكذب الذي نتحدث عنه.
وأما الاستدلال بالإجماع، وهو احد الأدلة الأربعة، فأوضح من أن يذكر أو يسطر أيضا. فانه ثابت قطعاً بين علمائنا بل علماء الإسلام جميعاً، بل في كل دين سماوي على الإطلاق هذا بغض النظر عن بعض المستثنيات التي تأتي بعونه تعالى.
وأما الاستدلال العقلي. فلا شك ان العقل يحكم بقبح الكذب، وانه من أقسام الظلم والقبائح والرذائل. فان قلنا: ان كل ما حكم به العقل حكم به الشرع، كان ذلك كافياً في الاستدلال على حرمته، بغض النظر عن الأدلة الأخرى الكثيرة التي سردناها.
إذن، فالكذب محرم بالأدلة الأربعة.