|
||
|
كتاب الزكاة يمكن أن ترد الزكاة في اللغة العربية على معنيين : الكثرة والطبية . فيكون زكا بمعنى كثر وزاد ، وبمعنى طاب وطهر ولاتنافي بينهما ، إذن يمكن ان يجتمعا بل هما في أكثر الموارد متفقان . وموارد الزكاة منحصرة بموارد الخير ، ولاتشمل موارد الشر ، فزيادة العصيان والطغيان . وزيادة العقاب في الدنيا وفي الآخرة ، لايمكن أن يسمى زكاة وإن كان فيها معنى الكثرة . وأما عدم توفر الطيبة فيها فهو واضح. ومن هنا يمكن الجمع بين المفهومين بالقول بأن الزكاة هي كثرة الطيبة والطهارة أو كثرة الخير وزيادته . يعني كثرة أي شيء يمثل جانب الخير في هذا الكون .
نعم قد نسمي الطيبة زكاة وإن لم يكن فيها كثرة ، إلاَّ أن الصحيح أن مجرد حصول الطيبة هي زيادة بالمعنى المعنوي .
والزكاة في هذا المعنى المشترك لها موارد عديدة أهمها : المال والبدن والنفس .
فزكاة المال هي الزكاة المعروفة في الدين ، والمقرونة في النص والأهمية بوجوب الصلاة في عدد من آيات القرآن الكريم . وهي التي تكون في الأنعام الثلاثة والغلات الأربعة وفي الذهب والفضة .
وزكاة البدن هي تعبير متشرعي عن زكاة الفطرة التي تدفع في عيد الفطر بعد صوم شهر كامل من شهر رمضان المبارك .
وزكاة النفس هي التسبيب إلى تحليتها بالفضائل وتخليتها عن الرذائل وإصلاحها
من كل زيغ ورين . ومن ثم الاتجاه بها نحو الكمال . صفحة (7) ولكل من هذه الموارد فلسفته الخاصة به و التي يمكن أن نحمل عنها فكرة كافية في الفقرات الآتية . ولكننا ينبغي أن نلتفت إلى أن التقسيم الرئيسي للزكاة إنما هو إلى قسمين : قسم اقتصادي أو مالي ، وهو زكاة المال وزكاة الفطرة وقسم معنوي وهو زكاة النفس وزكاة الأعمال . ومن هنا نستطيع أن نقول : - إن الزكاة زكاة المال وزكاة الأعمال .
ونحن بعد أن نعرف أن كل التشريعات الإسلامية إنما سنّت وطلبت من الناس ، باعتبار أن الله سبحانه يريد لهم التكامل المعنوي والصعود إلى درجات المغفرة والثواب . فإن التشريع لايرتبط بالله في نفع ولا ضرر ، لأنه لا تضره ذنوب عباده ولا تنفعه طاعاتهم .وإنما أمرنا ونهانا لمصالحنا ، ولأنه يريد لنا الأفضل ( والله يُريد الآخرة) أي لعباده ، كما في نص القرآن الكريم .
إذن نعرف أن زكاة المال ، بصفتها إحدى التشريعات المهمة في الدين ، إنما شرعت لأجل حصول زكاة النفس وتكاملها . وكذلك كل أشكال الأداء في سبيل الله سبحانه بصفته محتوياً للتضحية والصبر في سبيل الله ، وفي سبيل تنفيذ إرادته وتشريعاته . وكذلك الحال في زكاة الأعمال سواء على المستوى الواجب أو المستحب ، فإنه أيضاً لأجل زكاة النفس وتكاملها وطهارتها المعنوية .
فإن زكاة الأعمال قد تكون سبباً لزكاة النفس، بأن يحاول الفرد أن يزكي عمله ويطيع ربه من أجل تكامل نفسه. كما قد تكون مسبباً عن زكاة النفس ، فإن من كانت نفسه طاهرة وصالحة كانت أعماله بارّة وزكية بطبيعة الحال . فهناك نحو تفاعل مستمر بين زكاة الأعمال وزكاة النفس ، وكلما دخل الفرد في درجة من الكمال استحق الدرجة التي تليها .
صفحة (8) فإذا علمنا أيضاً أن من جملة زكاة الأعمال ، هو أداء زكاة المال اقتصادياً ، عرفنا مدى ارتباط زكاة المال بزكاة النفس ، إلى حد يمكن القول إن من وجد آثارها في نفسه ، فمعناه أن زكاته مقبولة ومبرورة ، وأما إذا لم يجد آثارها في نفسه فهي مجزية ، ولكنها غير مقبولة .
تماماً كالصلاة التي ورد أنها تنهي صاحبها عن الفحشاء والمنكر . فإن وجد آثارها في نفسه فهي مقبولة مبرورة ، وإلا فهي مجزية ولكنها غير مقبولة .
نبدأ من الآن ببيان بعض التفاصيل الأخلاقية لزكاة المال . وأفضل مقدمة لذلك هو الحديث عن الصدقة ، فإنها بالمعنى الواسع مما تندرج زكاة المال في ضمنها . وقد سماها القرآن الكريم بالصدقة في عدد من آياته : يمكن تقسيم التعاليم الدينية إلى تقسيمين :- الأول: - انقسامها إلى عبادات وغيرها ، ويراد بالعبادات ما يؤثر قصد القربة في كمالها لزوماً أو استحباباً . الثاني: - انقسامها إلى ما يكون خاصاً بين العبد وربه . وإلى ما يكون شاملاً للآخرين من أفراد المجتمع . ويمكن أن نسمي الأول بالواجبات الفردية ، والثاني بالواجبات الاجتماعية . وبضرب التقسيمين ببعضهما ينتج أربعة أقسام : الأول : الواجبات الفردية العبادية ، إما لزوماً كالصلاة والصوم ، وإما استحباباً كالاعتكاف . الثاني : الواجبات الفردية غير العبادية كالتطهير بالماء . الثالث : الواجبات الاجتماعية غير العبادية كصلة الرحم . الرابع : الواجبات الاجتماعية العبادية إما لزوماً كالزكاة الواجبة والفطرة والخمس وأضرابها ، وإما استحباباً كالصدقات الأخرى ، وقضاء حاجات المحتاجين .
صفحة (9) |
|