|
||
|
كتاب الزكاة
إذن تندرج الصدقات في هذا القسم الأخير ، ولايمكن أن تكون قائمة بذاتها ما
لم يكن هناك طرف آخر . كما لا يصدق عليها صدقة ما لم يكن قصد القربة
متوفراً فيها . وإلاَّ فهي هدية . إذن ، فالمتصدق يقضي حوائج المحتاجية في سبيل إطاعة رب العالمين ، ويحرز بذلك عدة فوائد ، تكون هي النتائج الرئيسية للصدقة :-
النتيجة الأولى : أنه أحرز لنفسه الحصول على الثواب ورضاء الله سبحانه . قال تعالى ﴿ إن الله يجزي المتصدقين ﴾ وقال :﴿ إن المتصدقين والمتصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم ﴾ .
النتيجة الثانية : أنه أحرز قضاء حاجة الآخر المحتاج الذي تصدق عليه . فقد تيسر أمره وأدخل السرور على قلب المؤمن عبادة .
النتيجة الثالثة : أنه شارك في البناء الاجتماعي العام وفي تحريك الثروة
القومية نحو الأفضل ، ولو لخطوة واحدة ، ولو تصدق على محتاج واحد .فإن
المجتمع إنما هو متكون من أفراد . فإذا انخفضت حاجات المحتاجين منهم كان
المجتمع على خير .
يعطي القرآن الكريم عدة خصائص للصدقات يحسن استعراضها بهذا الصدد . ثانياً : إن طلب الصدقة لغير الضرورة أمر شائن أخلاقياً ودينياً : قال تعالى : ﴿ ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا ، وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ﴾ . ثالثاً : إن الصدقة تصل إلى الله سبحانه قبل أن تصل إلى المحتاج . قال تعالى ﴿ ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ﴾ . ومعنى أخذه لها قبوله لها ومباركته إياها . وإلاَّ فهو غني عن العالمين ، قال تعالى : ﴿ لا ينال الله لحومها ولادماؤها ولكن يناله التقوى منكم ﴾ .
صفحة (10)
رابعاً : إن صدقة السر خير من صدقة العلن ، لما في ذلك من ترك الرياء ، والمفاخرة بين الناس ، وإن كان كلا الصنفين فيه قضاء حاجة المحتاجين : قال تعالى : ﴿ إن تبدو الصدقات فنعما هي وإن تخفوا وتؤتوها الفقراء ، فهو خير لكم ، ويكفر عنكم سيئاتكم ﴾ . خامساً : إن الصدقة ينبغي أن تكون خالصة للمحتاج بدون إيذائه أو المن عليه . وإلاَّ بطلت الصدقة ولم تكن مقبولة . قال تعالى : ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ﴾ . وقال : ﴿ قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى ﴾ . سادساً : إن الرياء مبطل للصدقات ، كما هو مبطل لسائر العبادات . قال تعالى : ﴿ كالذي ينفق ماله رئاء الناس ﴾ . سابعاً : إن الصدقات يجب أن تكون خالصة مخلصة لله سبحانه وتعالى ، قال تعالى : ﴿ ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل حبة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين ، فإن لم يصبها وابل فطلّ ﴾ .
ثامناً : إن الله تعالى يضاعف لدافع الصدقات أضعافاً مضاعفة وهو أمر مجرب
عملياً مراراً وتكراراً ، حيث يصل إلى الفرد من الرزق أضعاف ما دفعه وقضى به
حاجة المحتاجين . مضافاً إلى ثواب الآخرة . تاسعاً : إن الصدقة تشمل كل أشكال قضاء حاجات المحتاجين وخاصة من الناحية الاقتصادية ، فليس من الضروري قضاؤها بمال مدفوع . بل يكفي العفو عن مال مستحق وإبراء ذمة المدين قال تعالى : ﴿ ودية مسلمة إلى أهلة إلاَّ أن يصدقوا ﴾ يعني بإبراء الذمة عن الدية ، بالرغم من أن دم القتيل لا زال حاراً ومؤثراً من الناحية النفسية . والصدقة كلما كانت أصعب نفسياً كانت أشد ثواباً .
صفحة (11)
عاشراً : إن جملة موارد صعوبة الصدقة أن يكون المتصدق نفسه محتاجاً . فهو يقضي حاجة الآخرين ، ولو بخسارة نفسه من الناحية الاقتصادية . وهذا هو الإيثار .
قال تعالى :
﴿
ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خاصة . ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم الفائزون
﴾ . فهذا بعض ما للصدقة من خصائص وصفات في القرآن الكريم .
إن معنى الصدقة غير خالص بالجانب الاقتصادي بل هو شامل لموارد أخرى أعمق وأشد
تأثيراً . أولاً : إن حاجة المحتاج قد لا تكون اقتصادية بل هي أمر آخر ، كالشفاء من مرض أو الحاجة إلى زواج . ثانياً : إن الهدية نحو من الصدقة على من يحتاجها ، سواء بالتعليم أو بالأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر أو بالتسبيب للتكامل المعنوي والروحي للفرد . ثالثاً: إن الصدقة قد تكون صدقة على نفس الإنسان لا على غيره ، كالبحث عن علم أو هداية أو التفكير المجدد في خلق الله أو ذكر الله ، أو إعطاء عبرة انفس لم تكن سابقاً مورداً وغير ذلك . رابعاً: إن الصدقة كما تكون بالأعمال تكون أيضاً بالأقوال . فالكلمة الحسنة صدقة ، وكتم الغيظ صدقة ، والصبر على الآخرين أو على قضاء حاجتهم صدقة . وهكذا . خامساً: إن الصدقة قد تكون بالنفس نفسها في سبيل الله سبحانه وهبةً له جل جلاله ، وهو يقبل هذه الصدقة ويأخذها ، ويشكرها لمسديها ، وهي أعظم صدقة على الإطلاق ، قال الشاعر :-
والجود بالنفس أقصى غاية الجود. صفحة (12) |
|