|
||
|
كتاب الزكاة وقال شاعر آخر :- ولو لم يكن في كفه غير نفسه لجاد بها فليتق الله سائله
وقال تعالى : ﴿ فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ﴾ .
وقال :
﴿
لا يستوي القاعدون من المؤمنين أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله
بأموالهم وأنفسهم ، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة
. وكلاً وعد الله الحسنى . وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً
، درجات منه ومغفرة ورحمة
﴾
. قال تعالى : ﴿ إن الله اشترى من المؤمنين أموالهم وأنفسهم بأن لهم الجنة ﴾ . وقال : ﴿ ومن الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضاة الله ﴾ . سادساً :إن العبادة أيضاً صدقة وقد ورد في النوافل اليومية أنها صدقاتكم فأتوا بها في أي وقت من ليل أو نهار. أقول : يعني أداء أو قضاء(1) .
وأما أن طرف الصدقة من هو ؟ فقد يقال : إنه هو المؤمن المتنفل نفسه ، لأنه في الحقيقة ينفع نفسه بعبادته. وقد يقال : إنه الله سبحانه ، بعد أن نسمع قاله تعالى : ﴿ ويأخذ الصدقات ﴾ والنوافل من الصدقات كم نصت الروايات .
زكاة المال أيضاً من الصدقة ، فإن الصدقة هي الدفع إلى الآخرين لا بقصد عوض دنيوي ، أو قل : قربة إلى الله تعالى . وهذا لا بختلف حكمها بالوجوب تارة وبالاستحباب أخرى . ومعه يكون كلا الجانبين من الصدقة .
وقد فرضها الله سبحانه كما فرض غيرها من الضرائب على أموال الأغنياء ،
منعاُ لتجمع الثروة لدى القليل وعدم وصولها إلى الكثير من الناس .
صفحة (13) كما قال سبحانه : ﴿ لكي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ﴾ ودولة بضم الدال هو تجمع الثروة . مما قد يؤدي هذا التجمع إلى مضاعفات غير محمودة ، قد تأتي الإشارة إلى المهم منها .
وهو لم يجعلها مستحبة بل جعلها واجبة ، لمصلحتين يمكن أن ندركهما للتشريع :
ثانيهما : من جانب الفقير أو المستحق ، فإنها لو كانت مستحبة أو طوعية . لاحتاجت إلى الطلب من قبله ، فيقع في ذلك السؤال وخجل المقال . في حين لا حاجة إلى ذلك بعد أن جعلها الله في أصل الشريعة وضرورة الدين واجباً على الغني وحقاً للفقير فإن طالب بها طالب بحقه ، وناجز الغني لإبراء ما في ذمته . وإن لم يطالب ببها وجب على الغني أن يقصده ويدفعها إليه فإنها حقه سواء طالب بها أو لم يطالب .
والله سبحانه وتعالى لم يوجب نسبة عالية من الصدقات . مع إمكان ذلك في
التشريع . إلاَّ أنه لم يفعل ذك ، بل جعل النسب العالية من العطاء على نطاق
الاستحباب . ولكن حثّ عليه جداً . والسر الذي ندركه لعدم الوجوب هو أخذ كل من الغني والفقير ، او قل : المعطي والآخذ بنظر الاعتبار . أما الفقير الآخذ ، فلأنه سبحانه يعلم بكفاية ما يصله من الزكاة لسد حاجته وسعادة عائلته ، ولا حاجة بعد ذلك للزيادة على ذلك . بحيث يصبح الفقير تاجراً غنياً . وإنما المهم فقط إزجاء الحاجات الضرورية وضمانها ، وهذا ما يحصل أكيداً لكل الفقراء ، إذا دفعت كل الزكوات .
صفحة (14) وليس من المصلحة أن يصبح الفقراء أغنياء حقيقة . فإنه لهم مظنة الفساد في الدين والدنيا معاً . وقد كان اختيار الفقر له في القضاء الإلهي صحيحياً ، فلا حاجة إلى التجاوز عليه وجعله في مصاف الأثرياء .
هذا ، وإنما يحصل بقاء الفقر والفقراء ، واستمرار الضروريات لكثير من الناس نتيجة عدم إطاعة الأحكام الشرعية ، وترك تطبيق الواجبات الدينية ، بدفع حقوق الفقراء . ولذا ورد عن أمير المؤمنين ( ما جاع فقير إلاَّ بما متع به غني ). هذا من جانب الفقير .
وأما من جانب الغني : فإنه أوجبت عليه الضرائب الشرعية بنسب قليلة لمصالح ندركها :
منها : عدم إطاقة الأغنياء من الناحية النفسية لدفع الزائد . فإننا نجد أن
المال قد يصبح للفرد أعز عليه من نفسه وولده ، بدليل أنه مستعد أن يقتل في
سبيله ، وأن يضحي بنفسه من أجل الحصول عليه أو المحافظة عليه ، إذاً فدفعه
لنسبة عالية منه ، بعد أن حصل عليه بتعبه وكد يمينه وعرق جبينه أمر بمنزلة
المستحيل . ومنها : أن حال الغنى عليهم موجودة في القضاء الإلهي ، ولم يكن ذلك جزافاً . بل عن علم وحكمة من العليم الحكيم . كما ورد في الحديث القدسي ما مضمونه : رب الفقير لو اخترت له الغنى لأفسده . ورب غني لو اخترت له الفقر لأفسده . ومن المعلوم أن دفع المال كله أو نسبة عالية منه موجبة لفقره وصعوبة معيشته . وهذا ما لم يكن في المصلحة بحسب القدر أو النظام الإلهي . ومعه فلا ينبغي أن يكلف الغني بذلك ، بل ينبغي الاقتصار على وجوب دفع القليل .
ولكن هذا القليل يكفي الفقراء كلهم . وذلك لو التفتنا إلى أمرين : الأمر الأول : تعدد الأغنياء وكثرتهم . فلو دفع كل الأغنياء زكوات أموالهم لتجمع من ذلك عدد ضخم من الميزانية . صفحة (15) |
|