|
||
|
كتاب الزكاة الأمر الثاني : إن هذه النسبة المدفوعة من أي فرد من الأغنياء وإن قلنا إنها قليلة . وهي قليلة فعلاً ، بصفتها نسبة أو منسوبة إلى المال كله . إلاَّ أن المقدار المدفوع يزداد كلما ازداد المال . ومن هنا سوف تكون المقادير المدفوعة من أصحاب الملايين تعد بالملايين .
وقد جعل الله الزكاة على أهم الأشياء وأعمها في المجتمع وأكثرها ضرورة للفقراء . وأهمه الطعام بشكل رئيسي من حيوان ونبات . ثم المال الذي يمكن به للفقير أن يشتري به حاجاته الأخرى . أعني النقدين : الذهب والفضة .
وإذا كفى الفرد الفقير مشكلة طعامه ولباسه ، لم تبق له مشكلة حقيقية في الجوانب الأخرى ، حتى لو فرضناه عاطلاً عن العمل . مع العلم أنه ليس المفروض فيه ذلك . لا شرعاً ولا اجتماعياً ولا قانونياً . وليست البطالة هي الحال الغالبة في أي مجتمع . فيكون ما يحصل عليه من الزكاة إلى جنب عمله ، كافياً جداً لسير حياته .
هذا مضافاً إلى موارد استحباب الزكاة ، فإنها موارد كثيرة في الدواب وفي الحبوب وفي أنواع التجارات. والمستحب وإن لم يكن ملتزماً به التزاماً كاملاً ، من قبل المتشرعة ، إلاَّ أنه يعبر تعليماً شرعياً متكاملاً وصحيحاً ، وأمراً شرعياً محترماً . والمفروض بالتشريع تطبيقه وامتثاله . فإذا فرضنا أن المتمولين كلهم أصبحوا متشرعة ومتورعة . كما هو المفروض في المجتمع المؤمن ، إذن سوف تكثر موارد الزكاة كثرة كبرى. ولعلها تفيض عن حاجة الفقراء كثيراً .
صفحة (16)
ونسبة الزكاة ضئيلة ولا يمكن أن تخطر في البال كونها مجحفة بالمالك أو أنها صعبة عليه ولو قليلاً . فهي في الغالب لا تتعدى جزءاً من أربعين جزءاً من المال ( النصاب ) بل قد تصل إلى نسبة واحد بالمئة .
وقد لا يكون في المال زكاة بالرغم من أنه لا يختلف عن المال الآخر الزكوي بمقدار معتد به أو ملفت للنظر ، إلاَّ لمجرد أنه غير حاصل على شرائط وجوبها ، كالغنم المعلوفة أو الجمال العاملة لمصلحة مالكها . كما لو كان يستعملها في الحمل أو السفر . فلا يكون فيها زكاة إطلاقاً .
ولو أردنا أن ننظر إلى النسب التقريبية الضئيلة للزكاة . أمكننا استعراض مواردها كما يلي . وإنما قلنا تقريبية لعدم انضباط القيمة السوقية في النصاب والطريقة المدفوعة إلى المستحق . فقد تختلف قليلاً أو كثيراً وباختلافها تختلف النسب . ولكنها على أي حال لا تعدو أن تكون نسباً ضئيلة .
أما نصب النعام الثلاثة فكما يلي :
خمسة نصب في كل خمس من الإبل شاة واحدة . ولعلها لا تعدو جزءاً من مئة جزء من قيمتها أو أقل .
ثم ست وثلاثون وفيها بنت لبون ثم ست وأربعون وفيها حقة ثم إحدى وستون وفيها جذعة . وهذا معناه أن المدفوع من هذه الأعداد من الإبل واحداً منها فقط وله عمر صغير . والصغير هنا كما هو أسهل على المالك أفضل ، في نفس الوقت للمستحق ، باعتبار كونه أرق لحماً من ناحية وأكثر فرصة للاستفادة التجارية منه من ناحية أخرى .
ثم ست وسبعون من الإبل وفيها بنتا لبون ، ثم إحدى وتسعون وفيها حقتان . وهذا معناه أننا دفعنا عن هاتين الكميتين اثنين من الإبل فقط . وهي نسبة لا تختلف كثيراً عن النسب السابقة . وإن كانت أكثر منها بجزء ضئيل كما هو معلوم لمن يفكر .
صفحة (17)
والنصاب الأخير من الإبل هو مائة وإحدى وعشرون ، فإذا ملك الفرد ذلك , وجب عليه أن يدفع لكل أربعين بنت لبون ولكل خمسين حقة . وبهذا نعرف أن الواجب في الإبل من الزكاة هو نسبة واحد من أربعين فأقل ، أو قل : واحد بالأربعين إلى واحد بالمئة ، وهذا بالتقريب مع أخذ اختلاف القيمة في الأسواق بنظر الاعتبار .
ففي كل ثلاثين تبيع أو تبيعه . وفي كل أربعين منها : مسنة . وواضح أن معناه أننا دفعنا واحداً من البقر الصغير فقط عن ثلاثين منها وعن الأربعين . فالنسبة هي جزء من ثلاثين وجزء من أربعين . وهنا ينبغي أن نلتفت إلى أن ( العفو ) من الأنصبة ، وهو ما بين النصابين ، يغير النسبة إلى الأقل . فإننا – مثلاً – كما ندفع تبيعاً من البقر من ثلاثين كذلك ندفعه عن ثمانية وثلاثين ، ولا يتبدل النصاب ما لم يبلغ أربعين . وكما تدفع شاة واحدة عن خمسة من الإبل كذلك ندفعها عن تسعة ، ولا يتبدل النصاب ما لم تبلغ عشرة ، وهكذا . هذا مضافاً إلى الحيوانت التي لم تبلغ حد النصاب الأول ، فلا تكون عليها زكاة إطلاقاً . وهذا أيضاً ينطبق على نصب الغنم التي نقولها الآن .
ففي الغنم خمسة نصب : أربعون وفيها شاة . وهي واضحة في نسبة الواحد من الأربعين .
ثم مئة وإحدى وعشرون ، ففيها شاتان ، وهي نسبة واحد من ستين تقريباً .
ثم إذا بلغت ثلاثمائة وواحدة ، وقيل إذا بلغت أربعمائة وواحدة ، في كل مائة
شاة والنسبة هنا واضحة أنها جزء واحد بالمئة . كما أنه واضح في الغنم أنه
كلما زاد العدد قلت النسبة . ولم يكن هذا الأمر واضحاً في الإبل والبقر .
فهذه نسب زكوات الحيوان أو الأنعام الثلاثة . صفحة (18) |
|