كتاب الزكاة

أم النبات ، وهو الحنطة والشعير والتمر والعنب . فإذا بلغ النصاب . كان المدفوع منه هو جزء من عشرة إذا كان السقي بدون تعب وأجور كنزول المطر وفيضان النهر . وجزء من عشرين إذا كان السقي بالآلات أو الأجور .

 

ومن هنا نعرف أن النسبة في النبات أعلى منها في الحيوان . بل هي أعلى من زكاة الذهب والفضة أيضاً ، كماسنقول . فبعد أن نعلم أن الزكاة لا تجب في غير هذا المجموع ، نعلم أن النسبة الزكوية في النبات هي أعلى النسب على الإطلاق .

 

وليس كل ذهب وفضة مما تجب دفع الزكاة عنه أو فيه . بل خصوص الذهب المسكوك بسكة المعاملة ، يعني القابل للتداول سوقياً . ومن المعلوم أن هذا غير موجود في عصورنا الحاضرة ، فيكون هذا النوع من الزكاة غير موجود بطبيعة الحال وإنما يكون متوقعاً على وجود موضوعه ، وهو تداول النقود الذهبية والفضية  في الأسواق . وإنما يذكره الفقهاء لأجل حفظ مضمون الشريعة ككل . فإنه جزء منها بطبيعة الحال . 

والنصاب في الذهب عشرون ديناراً . وفيه عشرة قراريط . وهو جزء من أربعين جزءاً من النصاب . على اعتبار أن الدنيا الواحد عشرون قيراطاً ، فما يجب دفعه إنما هو نصف دينار من عشرين ديناراً .

ونفس النسبة محفوظة في النصاب الذي بعده وهو أربعة دنانير ، وفيها قيراطان . فإنها ثمانون قيراطاً . فيكون القيراطان جزءاً من أربعين جزءاً منها.

 
ونفس النسبة
 تجري في زكاة الفضة ، فإن النصاب الأول مائتآ درهم وفيها خمسة دراهم ، وكلما زادت أربعين كان فيها درهم وهو واضح بقليل من التأمل .


صفحة (
19)

 

الفقرة ( 10 )

 

 

من أهم المستحقين للزكاة بنص القرآن الكريم الفقراء والمساكين ، وهم ضعاف الحال من الناحية الاقتصادية ، لكي تكون الزكاة هي موردهم الرئيسي أو الثانوي لسد النقص الذي قد يحصل في غيرها .

 

وللفقهاء جانبان في ذلك ، ولا حاجة لنا إلى تفصيلها . 

الجانب الأول : في الفرق بين المسكين والفقير ، وقد اختلفوا في ذلك جداً .

 

وما اخترناه هو كون المسكنة هي الذلة ولا ترتبط بالفقر مفهوماً إطلاقاً . كل ما في الأمر أن الذليل ستكون ذلته سبباً لفقره لانقطاع الناس عنه وانسداد موارد العيش أمامه . ومقتضى إطلاق الآية الكريمة جواز إعطاء المسكين من حيث كونه ذليلاً . ولو كان غنياً . إلاَّ أن هذا غير محتمل فقهياً .

 

فالنتيجة أن كلا اللفظين دالان على الفقر عملياً ، إلاَّ أن الفقير قد يكون عزيزاً وشريفاً في قومه . فهو المقصود من اللفظ الأول ( الفقراء ) . وقد يكون الفقير ذليلاً يعني من الطبقة المتدنية في المجتمع . ومن المستطاع القول بأنهم كلهم فقراء اقتصادياً . فيكون المراد هو الإشارة إليهم في الآية الكريمة في قوله : المساكين .

 ومن هنا قد يكون الترجيح لكون المسكين أجهد حالاً من الفقير كما في بعض التخريجات المشهورة ، على اعتبار أن الفقير يتصف بصفة واحدة هي الضعف الاقتصادي ، والمسكين يتصف بصفتين هي الضعف والذلة . أو باعتبار أن الفقير قد يكون شريفاً في قومه بخلاف المسكين .

 

الفقرة ( 11 )
 

وإذا فهمنا من الزكاة المعنى المعنوي ، أمكننا أن نفهم من الفقير والمسكين الأمر المعنوي أيضاً . ويكونان من المستحقين لتلك الزكاة المعنوية .

 

وقد وردت الإشارة إلى الزكاة المعنوية في القرآن الكريم في عدد من آياته ، قال تعالى : ﴿ قد أفلح من زكاها . أي من زكى نفسه . وقال : ﴿ قد أفلح من تزكى . وقال تعالى : ﴿ لا تزكوا أنفسكم – بل الله يزكي من يشاء . والمشهور أن الإشارة في الآيتين الأخيرتين على ادعاء الزكاة والصلاح للنفس ، وهو قبيح .
 

صفحة (20)

 

بل زكاة المال وغيرها ، لاتصلح أن تكون متصفة حقيقة بهذه الصفة ، ما لم ترجع إلى الزكاة المعنوية . باعتبارها معمولة في سبيل الله سبحانه ن فتكون سبباً لطهارة النفس وتعميق صفة الصبر والتقوى فيها . قال الله تعالى : ﴿ خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها . فسواء كان المراد أن الطهارة بدفع الزكاة تكون للأموال أو أنها تكون للنفوس ، فإن المراد بها على أي حال هو الطهارة المعنوية الناتجة عن الزكاة . وأن كان الأقرب أن المراد بها طهارة النفس . ولذا نسبته إلى الدافع لا إلى المال بقوله :﴿ تطهرهم وتزكيهم بها.

 

والوجهان محتملان من قوله تعالى : ﴿ والذين هم للزكاة فاعلون أعني الزكاة المالية والزكاة المعنوية . ولكننا حيث فهمنا الجانب المعنوي على أي حال ، كان السياق أقرب إليه لا محالة . ولذا فهم منها الراغب في المفردات : كل عبادة وتقرب إلى الله تعالى يوجب زكاة النفس وترقيها في عالم الكمال .

 

وعلى أي حال ، فالمستحق للزكاة المعنوية ، ذو جانب معنوي أيضاً . فلا يكون المراد من الفقير : الفقير اقتصادياً ، ولا من المسكين الذليل اجتماعياً .

 

وقد أشير إلى هذا الفقر بقوله تعالى : ﴿ يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله كل ما في الأمر : أن بعض الناس لا يشعر بهذه الصفة ولا يعيشها وجداناً ، والبعض الآخر يشعر بها ويعيشها ، وهي الصفة الواقعية بنص الآية، والشعور بها نحو أدب أمام الله سبحانه والتزام بالواقع ، ويكون مقدمة لنيل العطاء الإلهي .

 

قال تعالى :- ﴿ إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله . يعني أنهم إذا لم يكونوا فقراء ولم يشعروا في أنفسهم بهذه الصفة ، لم يكونوا مستحقين للعطاء . وبهذا يتبين معنى استحقاق الزكاة أيضاً .

وأما صفة المسكين ، فيمكن أن نفهمها معنوياً ، باعتبار الذلة أمام الله سبحانه . وليس للإنسان أن يقدم غير الذلة والعبودية والخضوع أمامه جل جلاله .

 

صفحة (21)