كتاب الزكاة

الفقرة ( 12 )

 

ولا ينبغي أن يفوتنا تقسيم الفقر والمسكنة إلى تقسيمين :

التقسيم الأول : تقسيمها إلى صفة دنيوية وصفة أخروية . أو قل : اجتماعية ومعنوية .

التقسيم الثاني : تقسيمها إلى صفة ثبوتية وصفة إثباتية . يعني لإلى صفة واقعية يتصف بها الفرد حقيقة ، وإلى صفة إثباتية مدعاة للفرد يشعر بها في وجدانه .

 

ويضرب نتيجة التقسيمين تكون الأقسام أربعة : 

القسم الأول : الفقر والذلة الدنيوية ، من ناحية واقعية ، أي اتصاف الأفراد بها . وهي التي تكون موضوعاً لاستحقاق زكاة المال وسائر الصدقات . 

القسم الثاني : الفقر والذلة الأخرويين أو المعنويين ، من ناحية واقعية ، اي اتصاف الفرد بها . وهي أمر ثابت لكل الخليقة ، بغض النظر عن مراتبها وخصائصها .
القسم الثالث : الشعور بالفقر والذلة الأخرويين أو المعنويين ، وهما الموضوع المتكامل للعطاء الإلهي معنوياً. وباصطلاح المتشرعة : إن عليه ثواب جزيل .

القسم الرابع : الشعور بالفقر والذلة الدنيويين . وإبرازهما أمام الآخرين ، بصدق لشكوى أو الترحم ونحو ذلك.

وهذا القسم مذموم في النصوص الإسلامية قال الله تعالى : ﴿ ضربت عليهم الذلة والمسكنة ، ويراد من الذلة هنا الصفة الواقعية ومن المسكنة إطهارها للآخرين ، وفي الحديث : " كاد الفقر أن يكون كفراً ".
 

ويقابل الفقر الغنى ،  كما يقابل المسكنة والذلة : العزة . وكلاهما ينقسمان أيضاً بنفس التقسيمين السابقين ، فتكون بذلك ، أقسامها أربعة أيضاً :

 

القسم الأول : الغنى والعزة الدنيوية ، من ناحية الصفة الواقعية ويراد هنا بالغنى الثروة وبالعزة الأهمية والشرف في المجتمع ولكل منهما نتائجها التي لا تخفى .

القسم الثاني : الشعور بهذه الصفات الدنيوية ، لمن يكون متصفاً بها . وهو أمر مذموم في النصوص الإسلامية.

 

صفحة (22)
 

فمن ذم الشعور بالغنى قوله تعالى : ﴿ لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء . ومن ذم الشعور بالعزة قوله تعالى : ﴿ أيبتغون عندهم العزة ، فإن العزة لله جميعاً . وقوله تعالى : ﴿ وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم .

 

وهو نفسه التكبر والاستكبار المذموم في القرآن أيضاً ، لأنه قد ينتج ، بل غالباً ما ينتج التكبر عن الحق والهدى ، فيقع الفرد في الضلالة والعصيان ، قال الله تعالى : ﴿ إنه لا يحب المستكبرين - ﴿ فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون - ﴿ فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين - ﴿ إن الذين كذبوا بآياتنا واستبكروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط إلى غير ذلك من الآيات .

 

القسم الثالث : الاتصاف الواقعي بالغنى والعزة ، المعنويين .

 

أما الغنى فهو إما بمعنى الاستغناء عن آمال الدنيا وآلامها ، والإعراض عن حبها ، وهي صفة لله لو نظرت بالمعنى الكامل ، باعتباره سبحانه مستغنياً عن كل خلقه ﴿ وهو الغني الحميد . وصفة للمؤمنين باعتبار استغنائهم بالله سبحانه عن الدنيا وما فيها .

 

وإما أن يكون العنى بمعنى القناعة . ومنه ما ورد ، بمضمون أنه:إذا ظهر القائم ملأ الله قلوب أمة محمد  (صلى الله عليه وآله وسلم ) غنى . ولم يقل جيوبهم أو بيوتهم .


وأم العزة فهي أيضاً بالغنى المطلق منسوبة إلى الله سبحانه وصفة له ، فهو ﴿ العزيز الجبار المتكبر ﴿ فإن العزة لله جميعاً . وبمعنى أدنى من ذلك منسوبة إلى المؤمنين قال تعالى : ﴿ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ، ولكن المنافقين لا يعلمون . وقال : ﴿ من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً . يعني أن العزة الحقيقية للمؤمنين هي المستقاة من عزة الله سبحانه ، وليس باعتبار الأمور الدنيوية وأضرابها . وفي بعض النصوص في وصف المؤمنين . فبعزته يعتزون .

 

صفحة (23)

 

القسم الرابع : الشعور بالغنى المعنوي والعزة المعنوية . فإن كان ذلك ثابتاً كان مثل التكبر ، بل هو التكبر بعينه ، لا يختلف عن الاستكبار الدنيوي بشيء معتد به . وإن كان منسوباً إلى الله سبحانه دائماً ، فأكرم به وأنعم .

 

فإن المفروض بالمؤمن الشعور بالذلة في الدنيا . قال تعالى : ﴿ أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ﴾. والعزة في الآية باعتبار الاستغناء عن الكافرين وباعتبار أن التكبر على المتكبر عبادة . والتذلل أمام المؤمنين وأمام ذوي الحق هو تذليل أمام الله سبحانه : قال تعالى : ﴿ واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ﴾.

 

والذلة المعنوية في الدنيا مطلوبة ، ومحمودة ، وأما في الآخرة ، فمذمومة . قال تعالى :  ﴿ سينالهم غضب من ربهم وذلة . وأهل جهنم عموماً أذلاء مذمومون . قال تعالى : ﴿ يصلاها مذموماً مدحوراً .

 

والواجب على العبد أن يقدم أمام الله الذلة والخضوع ليتصف بالعزة . والذلة لها معنى العبودية لله سبحانه . وهي بالمعنى المتكامل أفضل من النبوة والرسالة . وقد ورد : " إنهن جعلني عبداً قبل أن يجعلني رسولاً "، كما قال تعالى : ﴿ عبده ورسوله .

 

وكذلك الحال بالمؤمنين قال تعالى : ﴿ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً  .

وقال : ﴿ لأغوينهم أجمعين إلاَّ عبادك منهم المخلصين . وقال تعالى : ﴿ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربَّه وأني مسَّني الشيطان بنصبٍ وعذابٍ . إلى غير ذلك من الذكر الحكيم .

 

الفقرة ( 13 )

 

من جملة العناوين المستحقة للزكاة ويجوز صرفها عليهم : العاملون عليها . وهم جباة الزكاة وجامعوها من مالكيها . فيأخذون أجراً على جبايتها ، أو يتعيشون مما يجبون بإذن الحاكم العادل .
 

صفحة (24)