|
||
|
كتاب الزكاة
ولا ينبغي أن يفوتنا تقسيم الفقر والمسكنة إلى تقسيمين : التقسيم الأول : تقسيمها إلى صفة دنيوية وصفة أخروية . أو قل : اجتماعية ومعنوية . التقسيم الثاني : تقسيمها إلى صفة ثبوتية وصفة إثباتية . يعني لإلى صفة واقعية يتصف بها الفرد حقيقة ، وإلى صفة إثباتية مدعاة للفرد يشعر بها في وجدانه .
ويضرب نتيجة التقسيمين تكون الأقسام أربعة : القسم الأول : الفقر والذلة الدنيوية ، من ناحية واقعية ، أي اتصاف الأفراد بها . وهي التي تكون موضوعاً لاستحقاق زكاة المال وسائر الصدقات .
القسم الثاني : الفقر والذلة الأخرويين أو المعنويين ، من ناحية واقعية ،
اي اتصاف الفرد بها . وهي أمر ثابت لكل الخليقة ، بغض النظر عن مراتبها
وخصائصها . القسم الرابع : الشعور بالفقر والذلة الدنيويين . وإبرازهما أمام الآخرين ، بصدق لشكوى أو الترحم ونحو ذلك.
وهذا القسم مذموم في النصوص الإسلامية قال الله تعالى :
﴿
ضربت عليهم الذلة والمسكنة
﴾ ، ويراد من الذلة
هنا الصفة الواقعية ومن المسكنة إطهارها للآخرين ، وفي الحديث : " كاد
الفقر أن يكون كفراً ". ويقابل الفقر الغنى ، كما يقابل المسكنة والذلة : العزة . وكلاهما ينقسمان أيضاً بنفس التقسيمين السابقين ، فتكون بذلك ، أقسامها أربعة أيضاً :
القسم الأول : الغنى والعزة الدنيوية ، من ناحية الصفة الواقعية ويراد هنا بالغنى الثروة وبالعزة الأهمية والشرف في المجتمع ولكل منهما نتائجها التي لا تخفى . القسم الثاني : الشعور بهذه الصفات الدنيوية ، لمن يكون متصفاً بها . وهو أمر مذموم في النصوص الإسلامية.
صفحة (22) فمن ذم الشعور بالغنى قوله تعالى : ﴿ لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ﴾ . ومن ذم الشعور بالعزة قوله تعالى : ﴿ أيبتغون عندهم العزة ، فإن العزة لله جميعاً ﴾ . وقوله تعالى : ﴿ وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ﴾ .
وهو نفسه التكبر والاستكبار المذموم في القرآن أيضاً ، لأنه قد ينتج ، بل غالباً ما ينتج التكبر عن الحق والهدى ، فيقع الفرد في الضلالة والعصيان ، قال الله تعالى : ﴿ إنه لا يحب المستكبرين ﴾ - ﴿ فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون ﴾ - ﴿ فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين ﴾ - ﴿ إن الذين كذبوا بآياتنا واستبكروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ﴾ إلى غير ذلك من الآيات .
القسم الثالث : الاتصاف الواقعي بالغنى والعزة ، المعنويين .
أما الغنى فهو إما بمعنى الاستغناء عن آمال الدنيا وآلامها ، والإعراض عن حبها ، وهي صفة لله لو نظرت بالمعنى الكامل ، باعتباره سبحانه مستغنياً عن كل خلقه ﴿ وهو الغني الحميد ﴾ . وصفة للمؤمنين باعتبار استغنائهم بالله سبحانه عن الدنيا وما فيها .
وإما أن يكون العنى بمعنى القناعة . ومنه ما ورد ، بمضمون أنه:إذا ظهر القائم ملأ الله قلوب أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) غنى . ولم يقل جيوبهم أو بيوتهم .
صفحة (23)
القسم الرابع : الشعور بالغنى المعنوي والعزة المعنوية . فإن كان ذلك ثابتاً كان مثل التكبر ، بل هو التكبر بعينه ، لا يختلف عن الاستكبار الدنيوي بشيء معتد به . وإن كان منسوباً إلى الله سبحانه دائماً ، فأكرم به وأنعم .
فإن المفروض بالمؤمن الشعور بالذلة في الدنيا . قال تعالى : ﴿ أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ﴾. والعزة في الآية باعتبار الاستغناء عن الكافرين وباعتبار أن التكبر على المتكبر عبادة . والتذلل أمام المؤمنين وأمام ذوي الحق هو تذليل أمام الله سبحانه : قال تعالى : ﴿ واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ﴾.
والذلة المعنوية في الدنيا مطلوبة ، ومحمودة ، وأما في الآخرة ، فمذمومة . قال تعالى : ﴿ سينالهم غضب من ربهم وذلة ﴾ . وأهل جهنم عموماً أذلاء مذمومون . قال تعالى : ﴿ يصلاها مذموماً مدحوراً ﴾ .
والواجب على العبد أن يقدم أمام الله الذلة والخضوع ليتصف بالعزة . والذلة لها معنى العبودية لله سبحانه . وهي بالمعنى المتكامل أفضل من النبوة والرسالة . وقد ورد : " إنهن جعلني عبداً قبل أن يجعلني رسولاً "، كما قال تعالى : ﴿ عبده ورسوله ﴾ .
وكذلك الحال بالمؤمنين قال تعالى : ﴿ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ﴾ . وقال : ﴿ لأغوينهم أجمعين إلاَّ عبادك منهم المخلصين ﴾ . وقال تعالى : ﴿ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربَّه وأني مسَّني الشيطان بنصبٍ وعذابٍ ﴾ . إلى غير ذلك من الذكر الحكيم .
من جملة العناوين المستحقة للزكاة ويجوز صرفها عليهم : العاملون عليها . وهم
جباة الزكاة وجامعوها من مالكيها . فيأخذون أجراً على جبايتها ، أو يتعيشون مما
يجبون بإذن الحاكم العادل . صفحة (24) |
|