كتاب الزكاة

هذا إذا فهمنا من الزكاة الجانب المادي أو الاقتصادي .

وأما إذا فهمنا الجانب المعنوي ، كان للعاملين عليها أمر معين ، من حيث إن الإنسان إما أن يزكي نفسه بالعمل الصالح ، وإما أن يزكي غيره بالهداية والتعلم .


ولا ينبغي هنا أن يخطر في البال : كيف يجوز أن يزكي الفرد نفسه وقد قال الله تعالى : ﴿ فلا تزكوا أنفسكم .

فإن جوابه : إن هذا راجع إلى بيان مدح النفس وذكر مميزاتها . فإنه ممنوع أخلاقياً . وأما التسبب إلى التكامل فهو مسلم الصحة وواضح الإنتاج . وفي الحكمة : إن القدم الأول من العبد والباقي من الرب . وقال الله تعالى : ﴿ وسعى لها سعيها وهو مؤمن . ولا يحتمل حصول الثواب والرحمة بدون عمل . فالمراد من تزكية النفس هو العمل لإصلاحها ، وهو غير منهي عنه في الآية الكريمة .
 

إذن ، فالعاملون على الزكاة المعنوية منقسمون إلى من يصلح نفسه وإلى من يصلح غيره .

 

وكلاهما مستحق لها . أما من يصلح نفسه فباعتبار أنها هي النتيجة الطبيعية أو الحقيقية لعمله . وأما من يصلح غيره ، فباعتبار أن التعليم والهداية نفسه عمل من الأعمال الصالحة ينتفع بها كما ينفع بها غيره .

مضافاً إلى أن تعليم الغير نافع للمعلم فكرياً وعقلياً أيضاً ، فإنه كثيراً ما يكون موجباً لانفتاح الذهن إلى عدد من الحقائق والأفكار لم يكن ملتفتاً إليها فيما سبق .

 

ولا ينبغي إهمال الإشارة إلى أن إصلاح النفس سابق على إصلاح الغير . ولا معنى لإصلاح الغير مع فساد النفس . وقد قالوا في الفلسسفة : إن فاقد الشيء لا يعطيه . وقال الشاعر :

          يا أيــــها الرجل المعلم غــيره                هلا لنفسك كان ذا التعليـم

          تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى                 كيما يصح به وأنت سقيـم

          ابدأ بنفسك فانهها عن غيـــــها                 فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

 

صفحة (25)

الفقرة ( 14 )

 

ومن جملة مستحقي الزكاة هم المؤلفة قلوبهم .وقد خصها مشهور الفقهاء بالكفار الذين يستمالوون إلى الجهاد في صف المسلمين بالمال . ويسمون باللغة الحديثة بالمرتزقة . وهو أمر لا مانع منه عقلاً ولا شرعاً ولا أخلاقياً . بل هو أمر راجح ما دام في ذلك مصلحة للدين وحفظ لنفوس المسلمين .

 

وأما المؤلف ، فقد عرفهم في ( المنهج ) قائلاً : وهم المسملون الذين يضعف اعتقادهم بالمعارف الدينية ، يعني أصول الدين فيعطون من الزكاة ليحسن إسلامهم ويثبتوا على دينهم . أو الكفار الذين يوجب إعطاؤهم الزكاة ميلهم إلى الإسلام ، أو معاونة المسلمين في الدفاع أو الجهاد ضد الكفار .

 

ومن هنا يتضح أن المسألة هنا ترتبط بضعف العقيدة عموماً بحيث يكون الصرف فيها نافعاً للدين بشكل وآخر. فإن تأليف القلوب عبارة عن كسب المحبة . وله أسباب عديدة ، منها المجاملة ومنها القربى ومنها المال .
 

ومن الاعتيادي أن ضعيف العقيدة ، بعيد المحبة عن المؤمنين ، وخاصة الكافر ونحوه . فيمكن استمالتهم وتأليف قلوبهم بالمال . وتكون لذلك عدة نتائج نظرية وعملية . منها :

1. قوة العقيدة في نفس المؤمن الذي كان ضعيفاً فيها .

2. تقريب المسلمين الآخرين إلى جانب الحق . إما بالتزامهم به أو بجلب عاطفتهم له أوبكفاية شرهم عنه .

3. تقريب الكفار من أي دين أو مذهب إلى جانب الحق بأحد الأشكال الثلاثة السابقة .

4. استعمال الكفار كمقاومين في ضمن الجهاد المقدس الإسلامي .

 

وهو المعنى المشهور به ، وهذا يشمل كثيراً من فعاليات الجهاد وأساليب وحاجات الحرب كما هو واضح . ولا ينبغي أن يكون المقصود هو خصوص الوقوف في خط المواجهة .

 

صفحة (26)

 

هذا . وأما استعمال كل هؤلاء في أعمال أخرى غير الجهاد ودفع أجور لهم ، فهو لا يدخل في هذا السهم . 

كما أن استعمال ضعاف العقيدة من المؤمنين في الجهاد ، باعتبار هذا السهم أيضاً مشكل فقيهاً . ولكن قد يكون استعماله لسائر المسلمين لدفاعهم عن الحق وجه وجيه .

 

وأما استعمال هذا السهم في تعليم هؤلاء للدين الحق وتثبيتهم فيه نظرياً ، أو استعماله للمكر بهم من أجل دفع شرورهم . فهو أيضاً مشكل فقهياً . ولكنه إن تمّ فهو مندرج في سهم آخر من الزكاة وهو سبيل الله على ما سيأتي .

 

فهذا مختصر عن الجانب الفقهي للمستحقين لهذا السهم .

وأما معناه الأخلاقي ، فتأليف القلوب وتقريبها إلى المحبة ، يكون بأسلوب من أساليب النفع . وفي الحكمة : أحبك يا نافعي . فلو انتفى النفع انتفى الحب . وهذا صادق حتى على الأرحام بل الأرحام القريبة كالأب والأخ . وإن كان افتراض عدم  وجود النفع بينهم نادر .

 

بل هو شامل ـ في مستوى الإنسان الاعتيادي ـ حتى الله سبحانه وأوولياؤه . فيما لو تصور الفرد أنهم غير نافعين له .

 

وعلى أي حال ، فالنفع إن كان دنيوياً اكتسب مسديه أو مؤديه الحب الدنيوي ، لو صح التعبير ، من قبل المستفيد ، وإن كان النفع أخروياً اكتسب الحب الأخروي . وهو الحب الأهم والأوضح في الشريعة وفي ارتكاز المتشرعة ، وهو المفهوم من قوله تعالى : ﴿ يحبهم ويحبونه . وقوله عليه السلام : " ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك " .

 

وهناك تعليق بسيط على هذه الآية . باعتبار أن حب المؤمنين لله سبحانه بني على انتفاعهم منه دنيوياً وأخروياً وحب الله للمؤمنين باعتبار طاعتهم له وتركهم لما ينهى عنه ، فقد اعتبرها الله سبحانه شكلاً لذاته ، وإن كان هو سبحانه غنياً عن العالمين حقيقة .

 

صفحة (27)