كتاب الزكاة

    وحاصله أن الهاشمي يمكن أن يكون تعبيراً عن الأشرف ، وغير الهاشمي تعبيراً عن الأدنى . والأشرف هو
    من حصل فعلاً على مراتب عالية ودرجات متكاملة ، بإزاء من لم يحصل على مثل تلك الدرجات .

وبالطبع فإن زكاة الأدنى،لا تنفع الأعلى، ولن يكون له منها تأثير يذكر ، سواء قصدنا منها التربية أو الموعظة أو التسبب للتكامل أو الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر ، فإن كل ذلك مما لا محال له في هذه الحدود .

 

الفقرة ( 29 )

 

في مستحبات الزكاة :

 

قال الفقهاء : تستحب الزكاة في كل ما تنبت الأرض مما يكال أو يوزن ، عد الخضر كاللفت والباذنجان والخيار وما شاكله . وهذا معناه استحبابها في الحبوب كالرز والماش والحمص ، وفي الفواكة كالبرتقال والتين ، وفي الأدوية النباتية ونحوها كالحناء والقهوة ، وفي البذور المستعملة للدواء أو للرائحة كالكزبرة واليانسون والكمون وغيرها . وشروط استحبابها هي شروط وجوب زكاة الغلات من النصاب وغيره .

 

والمشهور في مال التجارة الاستحباب ، يعني استحباب دفع زكاته بنصاب النقدين : الذهبوالفضة ، وهناك قول بالوجوب ، غير أنه نادر .

 

قالوا : ويستحب لولي الصبي والمجنون إخراج زكاة مال التجارة . إذا اتجر بمالهما لهما .

 

وقد عقد المحقق الحلي في كتابه ( شرائع الإسلام )(1) فصلاً كاملاً لاستحباب زكاة مال التجارة وشرائطه .

فمن ذلك أنه قال : زكاة التجارة يتعلق بقيمة المتاع لا بعينه ، ويقوم بالدنانير والدراهم .

 

صفحة (49)
ــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر : ص 751 ، ج1 .

  

وقال : إذا كانت السلعة تبلغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر ، تعلقت بها الزكاة لحصول ما يسمى نصاباً . وقال : إذا ملك أحد النصب الزكاتية للتجارة ، مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة ، سقطت زكاة التجارة ووجبت زكاة المال ، ولا تجتمع الزكاتان ، ويشكل ذلك على القول بوجوب زكاة التجارة . وقيل : تجتمع الزكاتان هذه وجوباً وهذه استحباباً . أقول : وهذا هو الأوجه .

 

الفقرة ( 30 )

 

وصل بنا الحديث الآن إلى زكاة الفطرة وهي واجبة بإزاء وجوب زكاة المال تماماً .

 

وهي تجب في ضحى يوم عيد الفطر الذي هو أول أيام شهر شوال بعد شهر كامل حافل بالصوم والعبادة . ومن هنا أمكن فهمها على عدة مستويات !

 

المستوى الأول : إن عيد الفطر وكل عيد مما ينبغي فيه للمسلمين عامة إظهار الفرح والسرور ، ابتهاجاً بالمناسبة الدينية . وهذا الحال يحتاج إلى بذل شيء من المال على أي حال .

 

فإذا كان الفرد قادراً على ذلك ، فهو المطلوب ، ويشارك سائر المجتمع بما يعيشه في ذلك اليوم من أفراح .

 

وأما إذا لم يكن قادراً على ذلك ، فهو الفقير الذي تجب مساعدته على ذلك ، ومن هنا كانت زكاة الفطرة قدماً من هذا الطريق ، إذ أصبحت مساعدته من ذمتة المجتمع ككل .

 

المستوى الثاني : إن الفقير ينبغي أن يشارك المسلمين في أفراحهم فكيف نستطيع أن نحمله على الفرح في حين هو يقاسي شظف العيش وصعوباته ؟

وإدخال السرور على قلب المؤمن راجح في كل وقت وبأي عمل أو قول ، وإن الأولى من تلك الأوقات ما يكون مطلوباً منه مشاركة الآخرين في أفراحهم .

 

صفحة (50)

 

فعند إعطاء هذه الزكاة إليه ، تحصل عدة أمور مستحبة : إدخال السرور على قلب المؤمن والتسبيب إلى مشاركته في السرور مع الآخرين والتسبيب إلى إظهار الفرح عملياً بلبس اللباس الجميل الذي قد يشتريه بهذا المال . وعلى أي حال فنحن لم نتمحض في كل ذلك للدنيا ما دام المال مأموراً بدفعه شرعاً وفيه رضا الله سبحانه وتعالى .

 

الفقرة ( 31 )

 

ومن المستويات المعنوية والأخلاقية التي يمكننا أن نفهمها من زكاة الفطرة ، كما يلي :

 

المستوى الأول : إن العبادة قد تكون تامة وقد تكون ناقصة أمام الله سبحانه ، بل العبادة عموماً ناقصة أمامه جل جلاله ، لأنها لم تؤد حق طاعته ومقدار عظمته ، والمطلوب من بذل العبودية تجاهه .

 

بما في ذلك صوم شهر رمضان ، الذي يقول عنه في الدعاء : إننا قد أديناه مع اعتراف بالتقصير وإقرار بالتضييع .

 

ومن هنا أمكن لزكاة الفطرة أن تكون سداً لتلك الثغرة ، إما بعنوان ملء الفراغ الحاصل ، أو التسبيب إلى غفران ذلك التقصير ، أو بعنوان إضافة تضحية المال إلى تضحية البدن ، لتكون التضحية أتم وأكمل وأشمل .

 

المستوى الثاني : غن فطرة الإنسان خلقته ، وماله هو ما يحصل عليه من نتائج في هذه الدنيا .

فكما ان المال يحتاج إلى زكاة وتطهير ضمن زكاة المال ، تحتاج الفطرة إلى زكاة وتطهير ، ضمن زكاة الفطرة.

 

والفطرة الأصلية وإن كانت طاهرة حقيقة ، إلاَّ أن الفطرة الفعلية ، التي وجد بها الإنسان في الدنيا ليست كذلك ، فإن المودع في الإنسان كل من جانبي الحق والباطل ، قال تعالى : ﴿ وهديناه النجدين لا يستثنى من ذلك حتى المعصومين عليهم السلام ولكل حصل بلطف الله ورحمته أن اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

 

صفحة (51)