كتاب الزكاة

ومعناه الأخلاقي واضح ، وهو أن مثل هذا الفرد لا أمل بتكامله إلاَّ بعد توبته ، أو قل : لا أمل في تكامله وهو على تلك الصفة المتدنية .

 ﴿ إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً ﴿ فأولئك لهم الدرجات العلى ولا يخاطب بطريق التكامل المعنوي ، إلاَّ من كانت ذمته خالية من العصيان للشريعة الظاهرية ، بحيث يكون مؤدياً للواجبات كلها ومجتنباً عن المحرمات كلها .

 

وأما لو كان تاركاً لبعض الواجبات أو فاعلاً لبعض المحرمات ، فخطابه يختص بفعل ما ترك وترك ما فعل والتوبة من العصيان ، ولا يكون له في طريق التكامل أي فرصة مفتوحة .

 

نعم ، فرصة التوبة مفتوحة ما دام النَّفَس متحركاً ، والتوبة من التكامل . إلاَّ أنه يُراد أخلاقياً بالتكامل تلك الدرجات التي تلي هذه المرحلة .

 

الفقرة ( 27 )

 

وقالوا أيضاً : إن من شرائط مستحق الزكاة أن لا يكون واجب النفقة ، فلو كان كذلك لم يجز دفع الزكاة إليه .

 

وهذا له كالشرائط السابقة ، جانبان : وجداني وأخلاقي :

أما الجانب الوجداني : فلأن هناك تهافتاً في الفكرة بين ما يصرفه الفرد على نفسه وأهله . وبين ما يصرفه على المحتاجين من خارج العائلة ، ويريد الشارع الإسلامي المقدس أن يكون بين هذين الشكلين من الصرف ، مغايرة تامة وعدم تداخل .

 

إذن ، فما يصرفه الفرد على نفسه وعائلته لا يمكن أن يعتبر من موارد قضاء حاجة المحتاجين لأن ما يصرفه من ذلك كأنه صرفه على نفسه ، ولأجل حفظ حاجة عاطفته فلا تكون تلك صدقة ، بالمعنى الكامل . بخلاف ما يصرفه خارج أسرته من قضاء حاجة المحتاجين .
 

صفحة (46)

 

وهذه هي القاعدة النفسية أو الوجدانية التي انطلق منها الحكم الذي ذكرناه في هذه الفقرة ، حسب ما نفهم من الشريعة .

 

فالزكاة يجب أن تُدفع إلى ( الغير ) . والمراد بالغير ما كان غير المالك وغير عائلته ، فلو دفعها إلى عائلته فكأنه دفعها إلى نفسه ، ولم يخرجها عن ملكه . ومن هنا جاء المنع عن دفعها في موارد النفقة الواجبة .

 

ومن ناحية فقهية : فإنه يجب أن تكون الزكاة مدفوعة بسبب وجوبها لا بسبب وجوب آخر كوجوب النفقة ، فإن الأصل عدم تداخل هذه الواجبات ، وعدم إمكان تطبيقها على مصداق واحد .

 

وأما الجانب الأخلاقي : فيمكن فهمه على عدة مستويات نذكر بعضها :

المستوى الأول : إن العائلة عامة والأولاد خاصة مما تقع مسؤولية تربيتهم الصالحة على عاتق رب الأسرة وهو مسؤول عنهم في يوم القيامة . فتربيتهم تعتبر من النفقة الواجبة . وليس الأمر هنا كعامة موارد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الذي يبذل عادة ويصرف غالباً في خارج الأسرة .

 

المستوى الثاني : إن نفس موارد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، تختلف من حيث الأهمية . ولا أقل من أن نلتفت إلى أن بعضها واجب وبعضها مستحب . فإن الأمر بالواجب واجب والنهي عن الحرام واجب بخلاف المستحب والمكروه .

 فمن هنا يمكن أن نعتبر الواجب هنا ، في طرف النفقة الواجبة ، واعتبار الزكاة في جانب المستحب .

 
المستوى الثالث : إن المتكاملين على مستويين : مستوى يكون تحت تربيتك وعنايتك ، فهذا تخصه بسرك ويخصك بشكره أو قل إنك تخصه بسره ويخصك بشكرك . ومستوى آخر تكون علاقتك معه مطلقة أو عامة ، ولست ذا مسؤولية واضحة ومركزة أمامه .

 

وعليه ، فمن الممكن القول إن المسؤولية من المستوى الأول هي على غرار وجوب الإنفاق ، وأما التي على المستوى الثاني ، فهي على غرار الزكاة . ويمكن الالتفات إلى مستويات أخرى من التسديد .

 

صفحة (47)

 

الفقرة ( 28 )

 

قال الفقهاء أيضاً : إنه يحرم دفع زكاة غير الهاشمي إلى الهاشمي بمعنى أن صفة المستحق أن لا يكون هاشمياً ، إذا كان الدافع مثله . في حين أن الهاشمي له الحرية في الدفع إلى مثله وإلى غيره من هذه الناحية.

 

وهذا له جانبان ، دنيوي ومعنوي . بعد الالتفات إلى أن الشريعة تعتبر أن الهاشمي أفضل وأشرف من غيره ، باعتبار انتسابه إلى الأسرة التي ينتسب إليها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . 

أما من حيث الجانب الدنيوي : فقد أحرزت الشريعة لذلك نتيجتين لمصلحة الهاشمي : 
إحداهما : عدم الذلة أمام الآخرين والاحتياج إلى أموالهم ، كائناً ما كانوا . بل حتى لو احتاج ، فإن أموالهم عليه حرام ، فلا يجوز أن يمد يده إليهم مهما كان السبب إلاَّ في حالة الضرورة القصوى . فلا يكون لغير الهاشمي تجاه الهاشمي منة ولا يكون بإزالتها ذلة .

ثانيهما : أنه وضع نصف الخمس ، وهو ما يسمى بسهم السادة ، للهاشمين ، بعد أن حرم عليه الزكاة .

والخمس هنا هو عشر المال ، وهو أكثر من الزكاة ، لأنها كما عرفنا تمثل واحد بالأربعين من المال . فالخمس أربعة أضعاف الزكاة ، وهو من استحقاق الهاشمي ، بالرغم من أنهم النسبة الأقل في البشر . وفي هذا ما فيه من إظهار إكرامهم وتشريفهم . وسيأتي المزيد من إيضاح ذلك في كتاب الخمس بعونه سبحانه .

 

وأما الجانب المعنوي : فيمكن أن يقسم على عدة مستويات ، نقتصر على بيان واحد منها ، ويبقى الباقي منوطاً بالالتفات المسدود .

 

صفحة (48)