|
||
|
كتاب الزكاة وإما بمعنى تقديم التضحية المناسبة مع المقام الذي وصل الفرد إليه لأجل التسبيب للوصول إلى المقام الذي بعده . كما قال الله تعالى : ﴿ وسعى لها سعيها وهو مؤمن ﴾ . وكل مقام يحتاج إلى سعيه المناسب له . وإما بمعنى التنازل عن الذات أو عن بعضها لله عز وجل ، في الأوصاف والأفعال . وذلك بالتوكل عليه سبحانه وإخلاص النية له والرضا بقضائه ، ونحو ذلك .
قال مشهور الفقهاء : إنه لا يستثنى من النصاب الزكوي في حساب الحصة المدفوعة إلاَّ حصة السلطان . والأمر في جانب المعنى كذلك ، فإنه يجب تكريس النفس كلها للتكامل العقلي أو النفسي أو الروحي . ليس يحفظ الفرد لنفسه قسطاً منها . لا يكون مشاركاً في التكامل وفي التضحية من أجله . إلاَّ حصة السلطان : ويريد الفقهاء عادة من ذلك : السلطان الجائر أو الظالم ، أعاذنا الله من كل سوء .
والمراد به في الجانب المعنوي جانب الدنيا والأمور المعيشية التي يمر بها الفرد ، فإنها يجوز تركها وعدم تكريسها لجانب التكامل ، سواء قلّت أو كثرت . والمراد من جانب الدنيا أحد الأمور :
الأمر الأول : الأمرو الضرورية للمعيشة إما بالكسب أو التنازل أو االنفقة على العائلة . ومن ذلك أيضاً أوقات الراحة من عناء التسبيب إلى التكامل وتلقي العلوم العليا . فإن جانباً من الراحة مما لا بد منه .
الأمر الثاني : ما يستلزمه كتم الحال عن الآخرين . فإنه ليس باستطاعته الآخرين عموماً فهم مستوى الفرد وهضم تصرفاته وأهدافه . ومن هنا كان اللازم على الفرد العالي أن يخالط الناس على مستواهم . لا على مستواه ، ويعايشهم على مقتضى طباعهم على مقدار عقولهم وأفهامهم . ويكون هذا الجانب ضاغطاً عليه ، وبمنزلة السلطان المتطلب لحصته .
صفحة (43)
الأمر الثالث : ما يتطلبه البلاء الدنيوي المتسلط على الفرد من
التنازلات الظاهرية عن اتجاهه الواقعي ومعتقداته الفردية ، إما باعتبار
ما يسمى بالتقية ، وإما باعتبار كون البلاء موجباً لضيق النفس الموجب
لقلة الأعمال الأخروية نسبياً . ومن هنا ورد عن الإمام الكاظم عليه
السلام أنه كان إذا اشتد عليه الأمر قلل من النوافل .
والزكاة كما هي في العشر ظاهراً ، هي كذلك في الجانب المعنوي ، بل قد لا يكون من الضروري دفع نسبة أعلى من نصف العشر . وهذا له معنى على عدة مراحل ، منها :
أن وجود الكيان الإنساني ككل ، وجود حق ، وليس فيه من الباطل إلاََّ
القليل . فلا يجب شيء إلاَّ الاستغناء عن هذا القليل . كما ما في الأمر
أم هذا الذي سميناه أو رأينا قليلاً قد يسيطر على حياة الفرد كلها
ويصوغ شخصية الإنسان ، فيصبح أكثرها باطلاً ، أو كلها . ويبقى الجزء
الحق ضخامته كامناً لا يشعر به الفرد ولا يعرفه وقد يستمر ذلك طول
حياته . ولكن هناك من يلتفت إلى الجانب الحق الكبير في نفسه ، فإن كان في ابتداء أمره لزمه بذل الجزء الأعظم من الباطل ، أعني العشر وليس نصف العشر ، ولذا تسمى الزكاة أوساخ أموال الناس .
وإن كان قد تحلى بالفضائل ، فقد ادى أحد النصفين وبقي عليه النصف الآخر . وهذا معنى ما سميناه في الزكاة من أنه إذا بذل المالك على سقى الزرع لم يلتزمه إلاَّ نصف العشر ، بخلاف ما إذا سقي بدون أجور ومتاعب : ديماً أو سيحاً . ومن ذلك أيضاً أن نلتفت : على أن حسن التوفيق الإلهي للطاعات والمبرات والتكامل ، كله عطاء ابتدائي وماعلى الفرد إذا أراد أن يكون مستحقاً له إلاَّ أن يعطي الجزء القليل من نفسه متجاوباً مع العطاء الإلهي . ولذا يقال في حكمة التكامل : القدم الأول من العبد والباقي من الله . وفي الحديث القدسي : " من تقدم إليّ شبراً تقدمت إليه ذراعاً ، ومن تقدم إليَّ ذرعاً تقدمت إليه باعاً " .
صفحة (44)
من جملة شرائط زكاة الأتعام أن تكون سائمة وأن لا تكون عوامل . ويمكن إرجاع هذين الشرطين إلى محصل واحد ، يعني أن يكونا نفياً وإثباتاً لشيء متشابه وإن قصد بهما الفقهاء أمرين مختلفين . فإن الأغلب من النعم السائمة أن لا تكون عاملة ، والأغلب من العاملة أن لا تكون سائمة .
وهذا الشرط على واقعه فيه جانبان إنساني وأخلاقي . أما الجانب الإنساني : فهو الرحمة بالمالك من حيث إنه إذا مان يصرف عليها مالاً لأعلافها ، فقد صرف بمقدار الحصة الزكوية عادةً ، فلا يجب عليه الزكاة .
وإذا كان يحتاجها في العمل والنقل والتحميل وما إليه ، فليس من الرحمة إنقاص عددها ، وجعله في حاجة ونقص من هذه الجهة .
وأما الجانب الأخلاقي : فالعوامل يمكن أن نفهم منه العاملون لأجل الدنيا ، ومن كان كذلك لم تمكن تربيته ، فينسد باب دفع الزكاة عنه وتطهيره ، بخلاف ما إذا كان سائحاً بأرض الله لا يحمل هم الدنيا ولا يعمل لها إلاَّ في حدود الضرورة ، فهذا هو الفرد الأنسب للتكامل والأسرع في السير فيه .
وقالوا أيضاً : إن من شرائط المستحقين أن لا يكون الفرد منهم من أهل المعاصي ، فلو كان كذلك لم يكن مستحقاً ، كما لو كان تارك الصلاة أو شارباً للخمر أو سارقاً أو زانياً ، بحيث يكون معتاداً على بعض هذه المفاسد أو غيرها .
صفحة (45) |
|