|
||
|
كتاب الزكاة في حين أن عدداً من الموارد مختص بالحاكم الشرعي، وليست من عمل المالكين إطلاقاً كالعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم وأكثر موارد سبيل الله سبحانه .
بل ظاهر الفقهاء أن الرقاب والغارمين كذلك بل حتى ابن السبيل . ولذا يقولون إنه يعطي من سهم الغارمين أو من سهم ابن السبيل . ومعناه : ان هناك أموالاً زكوية معزولة لكل صنف على حدة . وهذا لا يكون عند المالكين قطعاً ، وإنماً لدى الحاكم الشرعي إن قلنا بحجة مثل هذا العزل وتعيينه للصنف قبل الدفع ، كما عليه ظاهر المشهور .
وظاهرها الوجوب لا الاستحباب ، بمعنى أن العامل ملزم بتطبيق هذه التعاليم ولا يجوز له عصيانها ، وهي أخلاقية رفيعة على الرحمة بالمالكين أكيداً.
فمن ذلك : أن المالك إذا قال للعامل : إن أموالي ليس فيها نصاب زكوي , او أنها لم تبلغ النصاب ، صدقة ولم يطالبه بالإثبات أو البينة .
وكذلك لو قال له : دفعت الزكاة عن أموالي . ولا يجبر على دفع حيوان معين ، بل يعطيه الحرية بالاختيار في ضمن التعاليم الفقهية الشرعية . وإذا أخذ منه الزكاة دعا له وجوباً .
ومثل هذه التعاليم كما تمثل الرحمة بالمالكين والتنازل معهم إلى أقصى حد ، تمثل أيضاً الإعراض عن الطمع وحب جمعه على كل حال . وإنما يأخذ العامل ممن الزكاة بمقدار ما طابت نفس المالك بدفعه ، في حدود التعاليم الشرعية .
صفحة (40)
ولا يستلزم ذلك قلة الدخل لدى الحاكم الشرعي أو صعوبة تنفيذه لبعض المصالح العامة أو الخاصة ، أو حرمان بعض الفقراء أو المساكين . لأن مفروض الشريعة الإسلامية حين أوجبت الزكاة ، أنها كافية على كل حال لكل تلك الجهات . أو أن ما يجمع وما ييسره الله تعالى منها طبقاً لكل هذه القواعد ، فيه ما يكفي على كل حال .
وظاهر السنة الشريفة هو تطبيق هذه القواعد ، يعني التنازل مع المالكين والرحمة بهم حتى لو وجب العوز في جانب المستحقين .فإن هذا من جانب المستحقين من رزق الله سبحانه . فقد يوسعه وقد يضيقه . والحكمة تقول، إن وسع وسعنا وإن ضيق ضيقنا .
إلاَّ أنه ينبغي أن نأخذ بنظرالاعتبار أمرين : أحدهما : أنه مع حصول النقص والحاجة ، يمكن صرف أموال أخرى من الحقوق الشرعية غير الزكاة في موارد الزكاة نفسها . وأوضحها ما يسمى في لغة الفقهاء بحق الإمام عليه السلام . فإنه يمكن صرفه في كل تلك الموارد على الإطلاق ، ما دام فيها رضاء الله عز وجل ، وإزجاء حاجات الإسلام والمسلمين .
ثانيهما : أنه لو لم يحصل ذلك وبقيت الضرورة مفتوحة لو صح التعبير ، فيمكن للحاكم الشرعي بل عليه أحياناً أن يأمر بجلب فرائض إضافية على أموال الأغنياء لدفعها إلى الفقراء خاصة وفي كل تلك الموارد عامة .
وهنا لا ينبغي أن ننسى أن منكر وجوب الزكاة كافر، لأنه منكر لضروري من ضروريات الدين . وأن مانع الزكاة يجوز قتاله مع الإمكان لأخذ الزكاة منه . ولا يكون مشمولاً للرحمة التي أشرنا إليها بالمالكين . إذن ، فينحصر مورد وجوب الضرائب الإضافية فيما لو عجزت الزكاة عن إيفاء الضروري من مواردها – أو عجز الحاكم الشرعي عن جلبها كما هو المتوقع في الشريعة الإسلامية .
صفحة (41)
يشترط النصاب في دفع الزكاة ، ومقتضاه أنه لا يجب دفع الزكاة من كل مال ، بل من خصوص الأموال التي تبلغ حد النصاب . وفي هذا تسهيل على المالكين بطبيعة الحال وتوفير نسبي لأموال الأغنياء .
والمراد الآن فهم معنى النصاب معنوياً وهو يعبر عن مرحلة من مراحل الكمال . نفسياً أو عقلياً أو روحياً وفي الحكمة . " إن كل من وصل إلى مرحلة من مراحل الكمال استحق المرحلة التي تلي " . لكنه لن يستطيع الوصول إليها إلاَّ بتأسيس العمل عليها ، والجهد الموصل إليها . وإلاَّ فسيكون الطريق إليها مسدوداً .
لازم ذلك أن ( الطفرة ) في مراتب الكمال متعذرة بل مستحيلة ، وأنه لا بد من التدرج المستمر . ولا يمكن في أكثر من مرحلتين بدون المرور بسوابقها ولو قليلاً .
وهذا لا يختلف في كل أنحاء تكامل الإنسان . فالتكامل العلمي من الناحية الثقافية كذلك ، لا يمن أن يدخل الفرد في العلم الأعمق إلاَّ بعد اطلاعه على الأقل والأخف . وهكذا كل درجة .
فيكون معنى النصاب هو درجة الكمال التي وصل إليها . ولا تجب الزكاة قبل ذلك ، أي لا يستحق التكامل إلى التي بعدها ، ما لم يصل إلى هذه الدرجة من الكمال بالذات .
ونصب الزكاة متعددة . وكذلك مراتب الكمال . وكلما زاد النصاب زاد المقدار المدفوع وكذلك الحال في الكمال . والمقدار المدفوع في الجانب المعنوي له أكثر من معنى: إما بمعنى تعليم العلم للآخرين المستحقين له . وليس لكل واحد . وإلاَّ لم يكن دفعها مجزياً ولا جائزاً . وفي خطبة أمير المؤمنين عليه السلام : " المال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق " .
صفحة (42) |
|