كتاب الزكاة

إلاَّ أن الزكاة المدفوعة لإنقاذه من هذه الورطة بالذات ، لا يمكن أن تكون من قبل غيره . بل إن نظرنا إلى الأسباب قلنا إن نفس الفرد يجب أن يكون كفيلاً لذلك بالتزامه السلوك الصالح والطريق المؤدي إلى عالم المعنى ومستويات الروح . وإن نظرنا إلى المسبب جل جلاله ، قلنا إن الإنقاذ بيده . وهو المنقذ الوحيد من هذه الورطة وكل ورطة . ومن مصاديق ذلك ، قوله في بعض الأدعية : إلهي اطلبني برحمتك حتى أصل إليك . واجذبني بمنك وبك أقبل عليك . وبقول في نفس الدعاء أيضاً : منك أطلب الوصول إليك وبك أستدل عليك . فاهدني بنورك إليك وأقمني بصدق العبودية بين يديك .

 

فهذه هي الزكاة التي ترجعه إلى وطنه ، وتنقذه من صفته الطارئة ، وهي ابن السبي.

 

إلاَّ أن صفته هذه ، بهذا المعنى ، ضرورية له وفي مصلحته وليست ورطة حقيقية ، وإن كانت صعبة بل هي رحمة وليست نقمة ، لأننا ولدنا في الدنيا لكي نتعلم ونتكامل ونتطهر ، ففتح هذه الفرصة لنا من أعظم النعم .

 

الفقرة ( 19 )

 

لعل أهم وأوسع ما ذكرته الآية الكريمة من موارد مصارف الزكاة هو : سبيل الله سبحانه . وقد قلنا عته في المنهج: وهو جميع سبل الخير ، كبناء القناطر والمدارس والمساجد وإصلاح ذات البين ورفع الفساد ، والإعانة على الطاعات . والظاهر جواز دفع هذا السهم في كل طاعة ، مع عدم تمكن المدفوع إليه من فعلها بدونه ، بل مع تمكنه إذا لم يكن مقدماً عليه إلاَّ بها .

والأمر الارتكازي الذي اعتبرناه هناك غنياً عن الذكر هو أن المراد بسبل الخير كل ما كان تقرباً إلى الله . وبقصد الإخلاص له .

فقرينه كون العنوان العام لهذا السهم هو سبيل الله . والخير هو الله سبحانه ، فسبيل الخير هو سبيل الله سبحانه .

 

صفحة (37)

 

ولا يراد بها ما هو أوسع من ذلك وأعم . كما لو كان يريد الجهة الإنسانية أو العاطفية أو غير ذلك . معزولاً عن القربة لله عز وجل . فإن ذلك مما لا يجوز صرف الزكاة فيه .
ولكن يستثنى من ذلك أمران أو موردان
:

 

المورد الأول : البذل من هذا السهم على النفس وعلى من تجب نفقته . إن كان في ذلك طاعة لله عز وجل وتسبب إلى رضاه . فيكونا مصداقاً لسبيل الله تعالى .

إلاَّ أنه ممنوع باعتبار كون المفهوم نصاً وارتكازاً هو بذل الحقوق الشرعية عموماً ، بما فيها الزكاة خارج الأسرة التي ينتمي إليها المالك . لولا يجزيء إذا كان ذلك .

 

المورد الثاني : ما كان مندرجاً تحت العناوين الأخرى للزكاة . فإنها جميعاً أيضاً ، بذل للمال في مرضاة الله ومن ثم يصدق عليها أنها في سبيل الله ، وبخاصة العنوان الأول منها وهو سهم الفقراء والمساكين ، وهو أشملها ، فإن قضاء حاجة المحتاجين سبب لرضاء الله سبحانه .

 

ولكنه مع ذلك لا يندرج في هذا المورد ، لكونه مذكوراً في الآية سلفاً . بمعنى أن ذكر الموارد الأخرى فيها يكون كالقرينة المتصلة بأن المراد في سبيل الله غير ما سبق ذكره . ولذا مثل لها الفقهاء بأمور خارجة عن ذلك المجموع . وإلاَّ لزم التداخل بين العناوين وهو غير محتمل .

 

وبهذا نعرف أن في أخذ هذا العنوان توسعاً للزكاة بشكل أكبر من تلك العناوين بالرغم من سعتها في أنفسها . ومن هنا يكتسب هذا العنوان أهمية خاصة لأنه يشمل كل نواحي المجتمع وطبقاته وحاجاته . والتي يدركها القارئ اللبيب بدون حاجة إلى التفصيل .

 

صفحة (38)

 

الفقرة ( 20 )

 

وينبغي الإشارة هنا ، إلى ما قاله الفقهاء من أن المالك يجوز أن يوزع الزكاة بنفسه . ما لم يطلبها الحاكم الشرعي ، فإن طلبها وجب دفعها إليه .

 

ولكنهم قالوا : إن الأفضل دفعها إليه ولو لم يطلبها ، لأنه أبصر بمواقعها وأخبر بمواضعها .

 

أقول : أما مع طلبه فمن الواضح أنه يجب طاعته على المسلمين عامة ، وعلى مالكي الزكاة خاصة ، فلا يجوز لهم أن يتخلفوا مع الطلب . ويكون دفعها إليه مجزياً ومبرئاً لذممهم . باعتبار كونه ولياً لجهة المستحقين بالولاية العامة أو ما دونها .

ويكون غرضه في هذا الطلب بطبيعة الحال تكوين الميزانية اللازمة لإنجاز المهام الاجتماعية العامة والخاصة. أو بتعبير آخر . صرفها في مواردها السابقة والمذكورة . في الآية الكريمة . بما فيها ما عرفناه من معان ظاهرة ومعانٍ أخلاقية . ومصالح عامة .

 

وأما إذا لم يطلبها الحاكم الشرعي . فالمكلف له أن يتصدى لدفعها إلى المستحقين . وهنا ينبغي أن نلتفت إلى نقطتين :

 

الأولى : أن إيكال التوزيع شرعاً إلى كل من الحاكم الشرعي والمالكين ، يجعل في التوزيع سعة وشمولاً على كل الموارد المحتملة ، بحيث لا يبقى مورد محتاج إطلاقاً . باعتبار أن ما يجهله الحاكم الشرعي أو لا يمكنه الاتصال به فإن المالكين يعرفونه . وما ييجهله المالكون أو لا يمكنهم الاتصال به يعرفه الحاكم الشرعي .

 

الثانية : أن بعض العناوين المذكورة في الآية الكريمة تختص بالحاكم الشرعي . ولا يحتمل تصدي المالكين لها. فقول الفقهاء بأن للمالك دفعها ، لا يريدون العموم بكلامهم هذا ، بل أرادوا أن المالكين يدفعونها إلى الفقراء والمساكين . وبعض موارد سبيل الله وابن السبيل .

 

صفحة (39)