كتاب الاعتكاف
 

الفقرة ( 1 )

 

تعتبر أهم أحكام الاعتكاف كما يلي :

 

كون مكانه المسجد الجامع في البلد ، ومدته ثلاثة أيام ، ولا يجوز أن يخرج من المسجد إلاَّ لضرورة وأن يكون الفرد صائماً خلال هذه الأيام الثلاثة ، وتاركاً لمقاربة زوجته طيلة المدة .

 

فينبغي أن نعرف فيما يلي المعطيات الأخلاقية والاجتماعية لهذه الأحكام ، وخاصة مع الاطلاع على بعض تفاصيلها بالتدريج .

 

الفقرة ( 2 )

 

المسجد : كما قلنا في الفقرة (11) من كتاب الصلاة هو المعبد أو محل العبادة ، على أن تكون العبادة المنجزة فيه هي السجود بصفته غاية الخضوع لله سبحانه وتعالى . وهو السجود الحق والسجود لغيره باطل ومحرم .
 

وأضفنا هناك : إذن ، ففي كل مكان أو زمان كبر أو صغر ، حصل فيه ذلك المعنى من السجود ، فهو مسجد . ومن هنا أمكن أن يكون للمسجد معان ومستويات عديدة ، منها :

 

أولاً : الكون كله ، مع التفكير في خلق الله سبحانه .

ثانياً : النفس مع التفكير في الآيات الباطنة لها .

ثالثاً : القلب حين يكون منوراً بنور الحق .

رابعاً : العقل ، مع إمكان صعوده إلى أعلى الدرجات .

خامساً : كل مكان أو زمان يحصل فيه التوجه التام .

سادساً : المسجد بالمعنى الفقهي المتعارف .

 

صفحة (77)

 

ويمكننا الآن أن نضيف معاني أخرى للمسجد ، بملاحظة أنه لم يؤخذ في مفهومه نوع الساجد فيه ونوعية سجوده وعبادته . فقد تصل المعاني إلى عشرة أو أكثر نذكر بعضها بنفس التسلسل السابق .

 

سابعاً: بيت المرأة من حيث ورد : إن مسجد المرأة بيتها .

ثامناً : الكعبة المشرفة باعتبارها بيت الله الحرام ، وأقدم مسجد معروف في البشرية .

تاسعاً: الضريح وهو المسجد الذي ورد وجوده في السماء ، مقابلاً للمسجد الحرام ، تطوف به الملائكة وتتعبد.

عاشراً : مراقد المعصومين ( ع ) من حيث فتاوى لفهاء بإلحاقها بالمساجد ، وشمول أحكام المساجد لها .

 

الفقرة ( 3 )

 

والفقرة الرئيسية الأخرى في الاعتكاف هو الصوم ، وقد عرفه الفقهاء بأنه كف النفس عن المفطرات مع النية، والمفطرات أخلاقياً ، هي كل شيء يكون تناوله مرجوحاً أو منتجاً لنتائج وضيعة سيئة على الفرد . فالصوم هو كف النفس أو الإمساك عن كل شيء يكون من هذا القبيل .

 

والإمساك لا يكون صوماً إلاَّ مع النية أي نية القربة إلى الله سبحانه . دون ما إذا كان بقصد دنيوي صحي أو اجتماعي مثلاً .

 

والفقرة المهمة الأخرى في الاعتكاف هي استمرار اللبث لمدة ثلاثة أيام ، وهي طويلة نسبياً ولكنها موقتة ومحدودة على أي حال ، وقد ورد إمكان استدامة الاعتكاف شهراص أو شهرين .

 

إذن فالفرد في أي مسجد له سجود أي عبادة رئيسية معينة وله إمساك عن المحرمات والمرجوحات . وينبغي في هذه الحال مدة معتداً بها من الزمن .

 

صفحة (78)

 

ويحسن بنا الآن أن نذكر المعاني العشرة السابقة للمساجد مع ذكر عبادة كل منها والإمساك لمشروع فيها ليصدق الاعتكاف المعنوي في كل تلك المساجد . فإن الإمساك في ضمن تلك العبادة لا يكون إلاَّ لله سبحانه ، فيتم بذلك معنى الصوم ، ومن ثم يتم معنى الاعتكاف ما لم تسول النفس إلى الفرد الخروج إلى عالم الشهوات والاثام .

 

هذا ، وقد ذكرنا فيما نقلناه عن كتاب الصلاة ، معنى العبادة ، أكرره الان مع ضم هذه الزيادة المشار إليها :

 

أولاً : الكون كله وعبادته هو التفكر في الخلق ، كما أمر الله في كتابه الكريم ﴿ ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً .

 

وإمساكه نفي الأسباب وإسناد كل تدبيره إلى الله سبحانه . كما أمر الله سبحانه .﴿ أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات . وقوله تعالى : ﴿ أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون .

 

ثانياً: النفس وعبادتها التفكير في آياتها الباطنة أو الأنفسية كما يعبرون ، كما قال الله سبحانه ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم وإمساكها عصيان الشهوات ، كما قال الله سبحانه : ﴿ أرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وقال : ﴿ وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى .

 

ثالثاً: القلب ، وعبادته حب الله سبحانه ، كما قال سبحانه : ﴿ يحبهم ويحبونه . وإمساكه بغض أعدائه كما قال جل جلاله : ﴿ أنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله وقال : ﴿ لكم دينكم ولي دين .

وكذلك عبادته خوف الله تعالى والخشية منه : وإمساكه ترك الخوف مما سواه كائناً ما كان . كما قال سبحانه: ﴿ ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله .

 

رابعاً : العقل ، وعبادته الاطلاع على الحقائق العليا بمقدار إمكانه , مع محاولة كف النفس عن شهواتها . وإمساكه ترك السير مع الوهم أو مع الشهوات أو مع الغفلة .

 

صفحة (79)