|
||
|
كتاب الاعتكاف
تعتبر أهم أحكام الاعتكاف كما يلي :
كون مكانه المسجد الجامع في البلد ، ومدته ثلاثة أيام ، ولا يجوز أن يخرج من المسجد إلاَّ لضرورة وأن يكون الفرد صائماً خلال هذه الأيام الثلاثة ، وتاركاً لمقاربة زوجته طيلة المدة .
فينبغي أن نعرف فيما يلي المعطيات الأخلاقية والاجتماعية لهذه الأحكام ، وخاصة مع الاطلاع على بعض تفاصيلها بالتدريج .
المسجد : كما قلنا في الفقرة (11) من كتاب الصلاة هو المعبد أو
محل العبادة ، على أن تكون العبادة المنجزة فيه هي السجود بصفته
غاية الخضوع لله سبحانه وتعالى . وهو السجود الحق والسجود لغيره
باطل ومحرم . وأضفنا هناك : إذن ، ففي كل مكان أو زمان كبر أو صغر ، حصل فيه ذلك المعنى من السجود ، فهو مسجد . ومن هنا أمكن أن يكون للمسجد معان ومستويات عديدة ، منها :
أولاً : الكون كله ، مع التفكير في خلق الله سبحانه . ثانياً : النفس مع التفكير في الآيات الباطنة لها . ثالثاً : القلب حين يكون منوراً بنور الحق . رابعاً : العقل ، مع إمكان صعوده إلى أعلى الدرجات . خامساً : كل مكان أو زمان يحصل فيه التوجه التام . سادساً : المسجد بالمعنى الفقهي المتعارف .
صفحة (77)
ويمكننا الآن أن نضيف معاني أخرى للمسجد ، بملاحظة أنه لم يؤخذ في مفهومه نوع الساجد فيه ونوعية سجوده وعبادته . فقد تصل المعاني إلى عشرة أو أكثر نذكر بعضها بنفس التسلسل السابق .
سابعاً: بيت المرأة من حيث ورد : إن مسجد المرأة بيتها . ثامناً : الكعبة المشرفة باعتبارها بيت الله الحرام ، وأقدم مسجد معروف في البشرية . تاسعاً: الضريح وهو المسجد الذي ورد وجوده في السماء ، مقابلاً للمسجد الحرام ، تطوف به الملائكة وتتعبد. عاشراً : مراقد المعصومين ( ع ) من حيث فتاوى لفهاء بإلحاقها بالمساجد ، وشمول أحكام المساجد لها .
والفقرة الرئيسية الأخرى في الاعتكاف هو الصوم ، وقد عرفه الفقهاء بأنه كف النفس عن المفطرات مع النية، والمفطرات أخلاقياً ، هي كل شيء يكون تناوله مرجوحاً أو منتجاً لنتائج وضيعة سيئة على الفرد . فالصوم هو كف النفس أو الإمساك عن كل شيء يكون من هذا القبيل .
والإمساك لا يكون صوماً إلاَّ مع النية أي نية القربة إلى الله سبحانه . دون ما إذا كان بقصد دنيوي صحي أو اجتماعي مثلاً .
والفقرة المهمة الأخرى في الاعتكاف هي استمرار اللبث لمدة ثلاثة أيام ، وهي طويلة نسبياً ولكنها موقتة ومحدودة على أي حال ، وقد ورد إمكان استدامة الاعتكاف شهراص أو شهرين .
إذن فالفرد في أي مسجد له سجود أي عبادة رئيسية معينة وله إمساك عن المحرمات والمرجوحات . وينبغي في هذه الحال مدة معتداً بها من الزمن .
صفحة (78)
ويحسن بنا الآن أن نذكر المعاني العشرة السابقة للمساجد مع ذكر عبادة كل منها والإمساك لمشروع فيها ليصدق الاعتكاف المعنوي في كل تلك المساجد . فإن الإمساك في ضمن تلك العبادة لا يكون إلاَّ لله سبحانه ، فيتم بذلك معنى الصوم ، ومن ثم يتم معنى الاعتكاف ما لم تسول النفس إلى الفرد الخروج إلى عالم الشهوات والاثام .
هذا ، وقد ذكرنا فيما نقلناه عن كتاب الصلاة ، معنى العبادة ، أكرره الان مع ضم هذه الزيادة المشار إليها :
أولاً : الكون كله وعبادته هو التفكر في الخلق ، كما أمر الله في كتابه الكريم ﴿ ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً ﴾ .
وإمساكه نفي الأسباب وإسناد كل تدبيره إلى الله سبحانه . كما أمر الله سبحانه .﴿ أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات ﴾ . وقوله تعالى : ﴿ أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون ﴾ .
ثانياً: النفس وعبادتها التفكير في آياتها الباطنة أو الأنفسية كما يعبرون ، كما قال الله سبحانه ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم﴾ وإمساكها عصيان الشهوات ، كما قال الله سبحانه : ﴿ أرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم ﴾ وقال : ﴿ وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى﴾ .
ثالثاً: القلب ، وعبادته حب الله سبحانه ، كما قال سبحانه : ﴿ يحبهم ويحبونه ﴾ . وإمساكه بغض أعدائه كما قال جل جلاله : ﴿ أنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله ﴾ وقال : ﴿ لكم دينكم ولي دين ﴾ . وكذلك عبادته خوف الله تعالى والخشية منه : وإمساكه ترك الخوف مما سواه كائناً ما كان . كما قال سبحانه: ﴿ ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله ﴾ .
رابعاً : العقل ، وعبادته الاطلاع على الحقائق العليا بمقدار إمكانه , مع محاولة كف النفس عن شهواتها . وإمساكه ترك السير مع الوهم أو مع الشهوات أو مع الغفلة .
صفحة (79) |
|