|
||
|
كتاب الاعتكاف خامساً : كل مكان أو زمان يحصل فيه التوجه التام . وعبادته هذا التوجه .وإمساكه عن الغفلة والسير في الأهداف الدنيّة والدنيوية .
سادساً : المسجد بالمعنى الفقهي المتعارف. وعادته الصلاة والدعاء . وإمساكه ما يحرم في المسجد فعله أو يكون مرجوحاً ، أو مطلق المحرمات . فإن المعروف أن المحرمات إذا وقعت في محل مقدس كانت أشد حرمة وأشد عقاباً. والمهم أن المعتكف في هذه المساجد منهي عن الجنابة ، حتى ليلاً وعن البيع والشراء ، وقضاء الوقت بغير ذكر الله . وكله مرجوح في أي مسجد , ولو لم يكن الفرد معتكفاً.
سابعاً : بيت المرأة . وعبادتها بالنسبة إلى كل امرأة الامتناع عن مخالطة الرجال ، كائناً ما كانوا . وبالنسبة إلى المتزوجة : حسن التبعل فإنه من جهاد المرأة كما ورد .
وإمساكها : إما بعدم مخالطة الرجال ، وإما بعدم الاعتراض على واقعها الذي تعيش فيه ، كائناً ما كان كما ورد : " قد ابتليت فاصبري ".
ثامناً : الكعبة المشرفة وعبادتها من خارجها ، كما أن أي مسجد آخر تكون عبادته في داخله . فالعبادة في داخل الكعبة المشرفة تكون كأي مسجد ، إلاَّ أنها تمتاز أن العبادة تصح من داخلها ومن خارجها .
والعبادة من الخارج هو الطوف حولها ، والصلاة إليها . والإمساك بالنسبة إليها ترك المحرمات أو المكرهات لها ، كاستقبال أو استدبارها ببول أو غائط أو جماع وكذلك هتكها والحديث ضدها ، والعياذ بالله .
تاسعاً : الضراح ، الذي هو كعبة الملائكة ، وعبادتهم نية الطواف وذكر الله سبحانه ، وإمساكهم فيه – فيما ندرك – ترك ضعف العبادة أو التقصير فيها .
عاشراً : المراقد المقدسة للمعصومين عليهم السلام والعبادة فيها هي التقرب إلى الله سبحانه بزيارتهم واحترامهم وإهداء ثواب الأعمال الصالحة إليهم ، والإمساك هناك عن سوء الأدب تجاه صاحب القبر أو الكلام في أمور الدنيا تجاهه .
صفحة (80)
وقال الفقهاء أيضاً ، إن الاعتكاف هو اللبث المتطاول في المسجد . ولكن من الصحيح أنه محدود في الشرع بثلاثة أيام . إلاَّ أنه بقابليته للتكرار غير محدد بأية مدة ، كما سبق أن أشرنا .
والمهم الالتفات الآن إلى أن كل تلك المساجد التي عددناها مما لا ينبغي إهمالها أو الإعراض عنها ، أو الخروج منها أو الإفطار فيها ، يعني ترك ما ذكرناه من وجود الإمساك . فإن كل ذلك يؤدي إلى البعد عن الرحمة الإلهية والساحة القدسية ، والانشغال بالهموم الدنيوية والآلام البشرية . ومن ثم لا يمكن أن يكتب للفرد النجاة في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلاَّ من أتى الله بقلب سليم .
كل ما في الأمر أن الاستمرار والتركيز على العبادة ، قد يورث في النفس ضيقاً أو حرجاً أو جزعاً . فإن أغلب النفوس ضعيفة وقليلة الصبر ومتدنية التربية(1) .
ومن هنا كان ينبغي للشارع أن يجعل من أمثال هذا الضغط النفسي متنفساً وراحة نسبية . لا أن يكون الفرد في عبادة دائمة و ( صوم ) دائم على كل حال . ومن هنا ورد : إن الإمام الكاظم علية السلام كان إذا اشتد عليه البلاء يقلل من النوافل .
أقول : ومن هذه الناحية كان الاعتكاف محدداً أخذاً للنفوس الضعيفة بنظر الاعتبار .
كما أنه كلما كان أكثر كان أفضل عند الله وأقرب منه وأرضى له . وللفرد أو على الفرد أن يطلب المزيد من ذلك ما وسعه الجهد . ومن الملاحظ أن النفس إذا تعبت من شيء تلهت بشيء آخر . وإنما يضجرها زيادة التكرار والرتابة لشيء واحد .
ـــــــــــــــــــــــــ صفحة (81) ومن هنا قد يكون الشيء الذيتتلهى به النفس ، هي أمور الدنيا بعد تعبها من العبادة الجسدية والعقلية والقلبية. ولكن اللبيب المسدد من لا يكف عن العبادة لكن مع تغيير نوعها . وبتغير النوع ينتفي الجزع وتتغير الرتابة . فمرة يتعبد بالعبادة الجسدية ومرة بالعبادة العقلية وثالثة بالعبادة القلبية ورابعة بزيارة قبور المعصومين ، إلى غير ذلك .
ويمكن أن نفهم من الثلاثة أيام ثلاث مراحل : تكون أولاها بسيطة وأخراها معقمة ، ومجموعها يوصل الفرد إلى هدفه .
فانتهاء الثلاثة لأجل عدم لاحاجة إلى الزيادة والاستغناء عنها بالحصول على الهدف . لا لأجل احتمال الجزع والضيق كما سبق أن احتملناه .
وهذا لا يكون بالاعتكاف في المسجد الفقهي الظاهري بطبيعة الحال . بل بالاعتكاف ببعض المساجد المعنوية ، مما سبق أن اشرنا إليه .
ويمكن لنا كأطروحة محتملة أن نلخص تلك المراحل الثلاثة بما هو معروف بين بعض طبقات المتشرعة ، من أن المرحلة الأولى أو الأدنى هي التخلي عن الآثام والمحرمات . والمرحلة الوسطى هي التحلي بالفضائل والمكرمات . والمرحلة الثالثة هي التجلي والوصول إلى الحقائق والفيوضات . إلاَّ أنها لا تخلو من إشكال لأن المقدمة للوصول أصبح يومان لا ثلاثة إلاَّ أن نقول : إن الوصول إنما يحصل بعد كل هذه المراحل . وإن الفرد في المرحلة الثالثة ليس بواصل ، وإن زعم لنفسه الوصول .
يشمل الاعتكاف ما يختص بالصوم من المستحبات والمكروهات بصفته محتوياً على الصوم ، ويختص هو بأمور أخرى .
فقد قلنا في كتاب الصوم من المنهج : يكره للصائم ملامسة النساء وتقبيلها ومداعبتها ، إذا لم يكن بقصد الإنزال ولا كان من عادته , وإن قصد الإنزال كان من قصد المفطر ، سواء كان من عادته ذلك أو لم يكن .
صفحة (82) |
|