كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
 

الفقرة ( 1 )

 

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتخذان معنى مشتركاً . باعتبار أنه من الناحية العرفية والمتشرعية ، يكون ترك الواجب حراماً وترك الحرام واجباً . أو قل : إن ترك المعروف منكر وترك المنكر معروف . وإن لم يكن كذلك بالدقة العقلية . كما ذكرنا ذلك فيما وراء الفقه(1) . وقد سمينا هذا المعنى المشترك هناك بوظيفة الهداية .

 

والمهم هنا هو أن هذه الوظيفة خالية التعرض أو مطلقة من حيث ثلاثة أمور : الأمر بالمعروف والمأمور بالمعروف ومحتوى الأمر نفسه . مضافاً إلى أمور أخرى خارج ذلك نسبياً وهو فعل المأمور الذي سبب ذلك الأمر ، والمصلحة التي اكتنفت ذلك الحال ، والمستوى الذي صدر منه ذلك الأمر .

 

فمن ناحية الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، يمكن أن نفهمه من مستويات متعددة :

 

أولاً : الله سبحانه وتعالى في هدايته التكوينية والتشريعية لخلقه .

ثانياً : الأنبياء عموماً في أدائهم لوظيفتهم النبوية أو الرسالية .

ثالثاً : نبي الإسلام في أدائهم لوظائفهم أيضاً .

رابعاً : نبي الإسلام كذلك صلى الله عليه وآله .

خامساً : الأئمة المعصومون سلام الله عليهم .

سادساً : الفقهاء العاملون جيلاً بعد جيل من أجيال الإسلام .

سابعاً : المؤلفون لكتب الهداية الدينية بغض النظر عن موضوعها سواء كان تاريخياً أو فقهياً أو تفسيراً أو حديثاً أو غيرها .
ـــــــــــــــــــــــ

(1) انظر : ج2 ، ق2 ، ص298 وما بعدها .


 
صفحة (137)

 

ثامناً : أي آمر بالمعروف أو ناه عن المنكر في حوادث جزئية مشتتة . وهو الفهم التقليدي له .

تاسعاً : أي شهير أو أمير أو مدير خطرت في ذهنه فكرة راحجة دينياً وإنسانياً ، فطبقها على فرد أو جماعة .

عاشراً : العقل , باعتبار ما ورد أنه نبي من الداخل .

حادي عشر : الإلهام لأولئك الصفوة من المقربين الذين يشعرون به .

ثاني عشر : جبرائيل سلام الله عليه ، بصفته محدثاً للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وغيره .

ثالث عشر : اي شيء من الخلق بصفته مصدراً للعبرة والهداية ، طبقاً لقوله تعالى : ﴿ وكأيٍّ من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون . وقوله تعالى : ﴿ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم . غير أن الأمر هنا إنما هو بلسان المقال .

 

لا يختلف في ذلك أرض عن السماء وحيوان عن جماد . كما قال الشاعر:
       وفي كل شيء له آية              تدل على أنه الواحد
 

رابع عشر : أعداء الله وأعداء رسوله : فقد يكونون سبباً من حيث لا يعلمون ، للهداية والتفات الفرد إلى بعض الأفكار المهمة التي لم يكن ملتفتاً إليها ، أو سبباً لرسوخ العقيدة بعد أن كانت ضعيفة وهكذا .

ونستطع القول هنا إن الأمر هنا ضمني ، وليس مطابقاً ، لأن نواياهم لا يمكن أن تحمل على صحة .

خامس عشر : البلاء الدنيوي ، فإن أغلب حالاته ، أنه موجب للهداية ، والتفات الفرد – كما قلنا – إلى أفكار مهمة ونافعة .

واختلاف هذا عن سابقه أنه قد يتداخل معه فيما إذا كان أعداء الله هم سبب البلاء . وقد يختلفان فيما إذا كان البلاء وارداً بسبب آخر كالمرض والفقر . فهذه خمسة عشر مورداً , نستطيع أن نقول فيها أخلاقياً غنها مصاديق وتطبيقات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

 

صفحة (138)

 

ومن الواضح عندئذ أن المأمور بالمعروف يختلف باختلاف هذه الموارد . فلكل آمر مأموره لا محالة . كما أن مضمون الأمر يختلف فقد يكون لهداية أو لحكم شرعي أو لحقيقة اجتماعية أو قرآنية أو غير ذلك .

بقي لنا الالتفات في هذا الصدد إلى أمرين لا يخلوان من أهمية ، نذكرهما في الفقرتين الآتيتين .

 

الفقرة (2)

 

إن الأمر والنهي ، كما قد يكون متعلقهما معروفاً وحقاً . فقد يكون متعلقهما منكراً وباطلاً . فيكون من الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف . وقد ورد في بعض روايات الملاحم في أوصاف آخر الزمان : أنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف بل سيصبح المعروف عندهم منكراً والمنكر معروفاً .

 

أقول : ولا يتعين أن يكون الآمر المعروف ملتفتاً إلى نتيجة كلامه ، أي إلى كونه منكراً ، بل لعله يراه حقاً . كما لم يكن يتعين في الآمر بالمعروف التفاته إلى ذلك أيضاً ، كما لا يخفى على القارئ اللبيب .

 

ومن هنا يمكن أن نسلسل الأمر بالمنكر في عدة فقرات :

أولاً : الشيطان ، فإنه بنص القرآن عدو بني آدم ، ويأمر بالمنكر ، ويعد بالفقر ، ويدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير .

 

ثانياً : النفس الأمارة بالسوء ، بما فيها من شهوات ونزوات وأطماع دنيوية ورخيصة . فإنها تأمر صاحبها بذلك ، وتنهاه عما ينافي ذلك وإن كان حقاً صحيحاً .

ثالثاً : العقل حين يكون ضالاً منحرفاً ، أو قل: عبداً للنفس الأمارة بالسوء ، فيأمر طبقاً لأمرها وينهى طبقاً لنهيها .

رابعاً : حب الدنيا بصفته مؤيداً لكل تلك المواقف .

 

صفحة (139)