|
||
|
كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خامساً : كل من أمرك بفعل سيء أو نهاك عن حسن ، سواء علم بهذه الواقع أم لا . سادساً : كل من أمرك بما يضرك في الدنيا أو في الآخرة . سواء علم بهذه الواقع أم لا . إذ قد تكون نيته حسنة من أجل نفعك . ولكن تؤول النتيجة إلى سوء . إلى غير ذلك مما قد نعتبره أو نلتفت إليه من الوجوه . ولكل آمر مأموره كما سبق أن التفتنا إليه في الفقر السابقة . إلاّ أننا ينبغي أن ننتبه إلى أن الآمرين بالمعروف أكثر عدداً من الآمرين بالمنكر بكثير . كما أنهم أقوى تأثيراً في الكون عامة ، وإن كان التأثير الآخر أقوى اجتماعياً واقتصادياً في المجتمع البشري .
طبقاً لما سبق أن قلناه من أن قوى الخير أقوى وأوسع بكثير في الكون من قوى الشر ، غير أن قوى الشر أقوى وأوسع في المجتمع البشري المنظور .
إننا ينبغي ان ننظر إلى مستويات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . فإنها تنقسم إلى عدة انقسامات . أولاً : انقسامه إلى القلب واللسان واليد والسلاح . ثانياً : انقسامه : إلى الفعل والترك والمستحب والواجب ونحوهما . ثالثاً : انقسامه : إلى العالم الذي يقع فيه ، هل هو عالم النفس أو العقل أو الروح أو عالم الدنيا المنظورة .
ومن الناحية النظرية يمكن ضرب هذه الانقسامات بعضها ببعض . فإذا رجحنا أن أقسام كل واحد منها أربعة كان 4 × 4 × 4 = 64 قسماً .
غير أنه يمكن النقاش في هذه النتيجة ، من حيث عدم الحاجة إلى كل الاقسام . فعالم الروح مثلاً لا نحتاج فيه إلى السلاح وكذلك لا نحتاج فيه إلى النهي عن المحرمات أو ترك الواجبات . إلاّ مع إمكان فهم هذه الأمور على مستويات أعلى .
صفحة (140)
ولكن ينبغي هنا أن نشير إلى أهم الأقسام المتبقية ، بدون أن يكون القصد هو الاستيعاب . القسم الأول : ما يقع من الأمر والنهي والتوجيه والتعليم في هذا العالم المنظور . بغض النظر عن مضمون الأمر والآمر والمأمور . ولعلك ترى أن هذا هو القسم الوحيد الذي لا يوجد غيره وأن جميع الأوامر والنواهي إنما تقع في هذه الدنيا . إلاّ أن الأمر ليس كذلك بالضبط . بل سنرى أن هذا القسم ليس له وجود لكونه مندرجاً في جملة من الأقسام الآتية . ولن يكون له وجود إلاّ في نظر الماديين الذين ينكرون النفس والروح . ولن يستطيعوا أن ينكروا العقل والتفكير . ويكفي أن نلتفت هنا إلى ثلاثة أمور : الأمر الأول : إن جملة من الأوامر التي نؤمن بوجودها أكيداً ، إنما تحدث في غير هذا العالم . كما لو أمر الله عز وجل جبرائيل سلام الله عليه أو أمر ملك الموت أتباعه في قبض بعض الأرواح . كما في القرآن الكريم : ﴿ توفته رسلنا وهم لا يفرطون ﴾ .
إذن ، فكل ما حصل من أمر ونهي ، يكون المخاطب بها خارجاً عن هذا العالم . وإن كان صاحبه موجوداً فيه فعلاً . مضافاً إلى أمر آخر نذكره فيما يلي :
صفحة (141)
الأمر الثالث : إن الأمر والنهي لا محالة يراد به سد نقص حاصل للإنسان ، إذ بدون وجود النص لا معنى للتوجيه والأمر والنهي . وهذا النقص لا محالة موجود في جزء من كيان الفرد إما في جسمه أو نفسه أو في عقله أو في روحه .
فالنقص الجسمي يكون موكلاً إلى الطبيب يأمر فيه وينهى . والنقص العقلي أي الثقافي يكون موكلاً إلى الموجه والمربى . والنقص النفسي يكون موكلاً إلى نحو آخر من التوجيه يكون موجباً لسد ذلك النقص كطبيب النفسي من ناحية أو شكل من أشكال العزائم والأوراد . والنقص الروحي موكول إلى المربي الروحي والشيخ الموجه نحو التكامل المعنوي .
فليس في هذه التوجيهات العديدة ما هن متوجه او متهم بالمادة إلا الطب الاعتيادي الذي يهتم بالجسد . ولكنه في نفس الوقت إنما يتكلم الطبيب مع المريض ، أي مع إحساسه وشعوره وعقله ، لا مع جسده الخالص .
مضافاً إلى أن المريض نفسه إنما يطلب التداوي لأجل النقص الذي يجده في نفسه لا النقص الموجود في جسده. لأنه إنما ينفر من الألم والضيق . فلو كان النقص الجسدي موجباً للفرح والاستبشار لما ركض الفرد وراء الطب . وكذلك لو وجد مصلحة معتد بها في مرضه عن صحته ، وإن كان هذا نادراً على أي حال .
فإنما يرفض الفرد تجاه الطب والأطباء ، لدفع ألمه النفسي وانزعاجه لا لألمه الجسدي وحده .
إذن ، فهذا القسم مندرج في الأقسام الآتية ، ولا يمكن أن يقوم وحده . وقد عرفنا الآن ضمناً جملة من التقريبات التي تدلنا على الأقسام الآتية . بحيث إن القارئ سيجد فيها تكراراً لما قلناه في هذا القسم ، بالرغم من أن وجودها هناك ضروري ، ووجودها هنا ضمني .
القسم الثاني : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الاعتياديان . سواء كان ذلك بالقلب ، والذي ورد انه أقل الإيمان : أو باللسان أو باليد .
صفحة (142) |
|