كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

والمهم أنه يختلف القلبي عن غيره من عدة جهات :

الأولى : كون الجهة القلبية ما لم تبين باللسان لا تكون معرفة للآخرين ومن هنا يمكن القول : بأن هذا الأمر خال من المأمور لا يمكن تعرفه عليه . أو في الحقيقة إنه أمر ونهي مجازيان .

 

الثانية : إنه ناتج من عدم وجود المصلحة للإظهار والبيان ، وفي الأغلب من وجود المفسدة فيه ، كظروف التقية والعسر والحرج . وبالتالي فالبيان يحتاج إلى شجاعة غير متوفرة لدى الفرد أحياناً ، ومن هنا يقتصر على الشعور القلبي .

 

الثالثة : إن الجهة القلبية ضرورية الثبوت مع الإيمان وملازمة له ، لوضوح أنه مع عدم استنكار المحرم أو ترك الواجب قلبياً . عندئذ يبدو ان لا يكون الإيمان ثابتاً إطلاقاً .

 

الفقرة (4)

 

وهنا ندخل بذكر بعض الأقسام التي تقرب من الجانب الأخلاقي أو المعنوي . نذكرها بنفس الترقيم السابق :

 

القسم الثالث : الوحي النازل على نبي الإصلام ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قرآناً أو غيره . والذي كان يعتبره ( صلى الله عليه وآله وسلم ) زاده في حياته وموجهه الرئيسي ، وكان يحزن لتأخره وانقطاعه ، إلى حد روي أنه حاول أن يلقي بنفسه من الجبل لانقطاع الوحي عنه أربعين يوماً .

 

القسم الرابع : الإلهام الوارد إلى الأولياء والمعصومين سلام الله عليهم .

وهو أيضاً زادهم في حياتهم وموجههم الرئيسي . وقد وردت في ذلك عدة مضامين من الروايات . من أن الإمام يزداد في كل ليلة قدر ، ويزداد في كل ليلة جمعة وغيرها .

 

القسم الخامس : تربية المعصومين سلام الله عليهم للمجتمع المسلم ، من النواحي التشريعية والتربوية والأخلاقية والثقافية . وقد قاموا بذلك ضمن تضحيات جلّى ومختلف المصاعب ، حتى أدت بهم إلى الشهادة .

 

صفحة (143)

 

القسم السادس : التربية والتوجيه الاعتيادي لكل أبوين بالنسبة إلى أولادهم ذكوراً وإناثاً .

ومن الواضح أنه من الواجب على كل أبوين أن يقوما بتربية أولادهما تربية صالحة . ولن يستطيعا أن يرفعا من مستوى أولادهما أكثر من مستواهما ، ما لم يوفق الله تعالى البعض منهم إلى موجه أو معلم آخر .

 

القسم السابع : التربية والتوجيه العلمي أو العقلي من قبل أي مدرس إلى طلابه . وهو عادة يختص بمادة معينة . وكما قلت في الأبوين ، لن يستطيع هذا المربي أن يرفع مستوى من يوجهه إلى ما هو أعلى من درجته نفسه ، ولا يمكن لأي أحد ذلك ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه .

فيحتاج الطالب إذا أراد الخطوة العلمية التالية أن يبدل أستاذه ويتصل بمن هو أعلى منه .

 

القسم الثامن : المربي في اتجاه التكامل الروحي . وهو أيضاً لا يستطيع أن يتجاوز بالطالب أكثر من مستواه الذي هو فيه . غير أنه يختلف عن سابقه بعدة أمور:-

 

الأمر الأول : إن الدراسة في ذلك القسم خاصة بعلم معين أو حقل واحد من حقول الطبيعة أو المعرفة . وأما في هذا القسم فهو شامل للكيان الروحي والنفسي كله .

 
الأمر الثاني : إن هذا القسم قسم عملي وليس نظرياً ، شأنه في ذلك شأن الصناعات اليدوية بالنسبة إلى العلوم النظرية ، فإذا لم يفعل الطالب شيئاً لم يتقدم في مدارج الكمال .

 

الأمر الثالث : إن القسم السابق يخاطب العقل ، أو قل إنه تعبير آخر عن مجموعة العلوم العقلية . في حين أن هذا القسم يخاطب الكيان المعنوي للإنسان ككل ، جسماً ونفساً وعقلاً وروحاً .

 

صفحة (144)
 

الأمر الرابع : إن القسم السابق يوجب تكامل جانب واحد من الإنسان ، وهو الثقافة العقلية ، في حين ان هذا القسم مع حسن التوفيق فيه ، فهو موجب لتكامل كل الذات .

 

الأمر الخامس : إن الهدف من القسم السابق محدد وهو معرفة واستيعاب علم محدد ونحو ذلك . في حين أن هذا القسم هدفه غير محدد بل هو يصعد في مدارج الكمال دائماً . والكمال لانهائي ، فهو يستمر بالصعود ، في مدارج رحمة الله سبحانه بلا انقطاع .

 

الأمر السادس: إن ما يستطيع أن يناله الفرد في القسم السابق هو من الرحمة العامة الموزعة بين كل الخلق، وإنما ينالها الفرد بمقدماتها العقلية .

 

وأما ما يستطيع أن يناله الفرد في العمل من هذا القسم فهو الرحمة الخاصة التي لا تنال عادة إلاَّ من المتكاملين من الناس . 

الفقرة ( 5 )

 

نتعرض الآن غلى التطبيقات الأخلاقية لشرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . فإنها بمعناها الأوسع ينبغي انطباقها على المستوى الأخلاقي ، بل على كل مستوى من مستويات التويجه والتعليم .

 

الشرط الأول: معرفة المعروف والمنكر ولو إجمالاً ، فلا يجبان ( أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) على الجاهل بالمعروف والمنكر. أقول : وهذا الجهل إما أن يكون متعلقاً بالكبرى أو أن يكون متعلقاً بالصغرى، كما عليه لغة المنطقين . أو بتعبير لآخر : إما أن يتعلق بالآمر وإما أن يتعلق بالمأمور . وكلاهما في الحقيقة شرط مستقل دمجوه في شرط واحد خطأ .

 

أما تعلقه بالمأمور فهو الذي يقصد به الفقهاء : بأن يعلم الآمر أن الفعل الذي يراه أمامه محرم فينهى عنه ، وأما إذا احتمل كونه جائزاً لم يكن مورد النهي متحققاً .
 

صفحة (145)