كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
 

وهذا يمكن أن يجاب على عدة مستويات :

 

المستوى الأول : إن المهم في نظر الشارع المقدس هو النتيجة بالنسبة إلى الفرد . فإنه من الواضح أن المخاطب أو المأمور لو كان قابلاً للتربية . لانصاع وأطاع من المخاطبة باللسان والموعظة . وحيث وصلت الحال إلى الضرب والتهديد ، إذن فهو معاند بدرجة أو أخرى .

 

وعندئذ يكون المهم هو النتيجة ، وهو أن يفعل هذا الفرد فعل الحق ولو كان مكرهاً . ولا أقل أن لا يصدر منه الحرام والباطل ، ويكون مستحقاً للعقاب عليه .

 

المستوى الثاني : إن الإكراه قد يقع عن طريق التربية فعلاً ، فإن الفرد قد يعمل ذلك إكراهاً ،  مرة أو مرتين أو مرات ، ولكنه بالتدريج سوف يقتنع به ويعتاد عليه . فيكون قد خطا خطوة معتد بها في المجال التربوي .

 

المستوى الثالث:إننا لو تنزلنا عن مصلحة الفرد، كما بيناها،في المستويين الأولين، فهناك مصلحة المجتمع، وهي أكيدة الصحة .من حيث إن المجتمع يخاو – ولو بالإكراه – من المفاسد والمحرمات والانحرافات.
 
وبالطبع فإن العقوبات وضغت لزجر الفاعلين عن الفساد والإفساد . والتهديد بالعقوبة له نحو من الإكراه والضغط على النفس ، مع أنه موجود في الشريعة الإسلامية وفي كل شريعة وقانون ، وواضح الصحة عند العقلاء . وما ذلك إلاَّ لأجل تصفية المجتمع من الآثام والمفاسد .

 

المستوى الرابع : إن مثل ذلك شامل للتربية المعنوية ، أعني الضغط النفسي والضرب وأضرابهما من الأساليب الحادة .

 

فإن التربية المعنوية قد تحتاج إلى مثل ذلك لا محالة . إلاَّ أن الأمر يصبح صعباً بطبيعة الحال . إذ قد يحتاج إلى أن يشخص الفرد كونه هذا العمل الحاد هو الدواء الناجح للنقص الموجود في الآخر .

 

إذ لو لم يكن دواءً له لكان استعماله معه ظلماً له , ومن هنا يصبح ضرراً لكلا الفردين ، وضرره على الآمر أشد ، من حيث كونه هو الظالم .

 

صفحة (158)

 

كما أن التجربة بأقل من هذا الأسلوب أو ذاك ، ظلم له ، من حيث احتمال عدم التأثير . بل يحتاج قبل التنفيذ إلى الاطمئنان بحسن النتيجة . وإلاَّ كان استعماله طغياناً حراماً .

 

وهذا المعنى شامل حتى للنهي عن المحرمات العامة ، ومن هنا قال الفقهاء بوجوب الاقتصار من الضرب على مقدار الحاجة . وهو ما يحصل به ارتداع الفاعل . وعندئذ يكون الزائد ظلماً حراماً .

 

الفقرة ( 14 )

 

ذكر الفقهاء في نهاية الأمر بالمعروف عدداً من الصفات باعتبار كونها مصاديق للمعروف وتكون كمالاً للإنسان . نذكر الآن أهمها ، مع مراعاة الاختصار .

 

وهنا ننقل ما ذكرناه في رسالتنا (منهج الصالحين) مع بعض الإضافات . منها : الاعتصام بالله عز وجل ، قال تعالى : ﴿ ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم . وقال أبو عبد الله عليه السلام : أوحى الله عز وجل إلى داود : ما اعتصم بي عبد من عبادي ، دون أحد من خلقي وعرفت ذلك من نيته ، ثم تكيده السماوات والأرض ومن فيهن إلاَّ جعلت له المخرج من بينهن .


والاعتصام هو التسبيب لدفع المكروه ببعض الأمور ، فهو يعتصم بذلك السبب . وأوضحه عرفاً الاعتصام بالكبراء والوجهاء ضد الآخرين : ومنه الاعتصام بالحصن ضد الأعداء .

 

والاعتصام قد يكون بالخلق وقد يكون بالخالق . حسب حال الفرد وتصوراته . والاعتصام بالخالق مع إخلاص النية منجٍ من جميع الشرور على الإطلاق ، لأن الله قادر على كل شيء ، بخلاف الخلق ، فإنه يكون قادراً على شيء وعاجزاً عن شيء آخر . وإذا ترك الفرد اللاعتصام بالله واعتصم بغيره أوكله الله إليه .

 

ومنها: التوكل على الله عز وجل . قال الله سبحان:﴿ ومن يتوكل على الله فهو حسبه . وقال أبو عبد الله ( ع ) الغنى والعز يجولان فإذا ظفرا بموضع من التوكل أوطنا .والمراد من الغنى القناعة ،ومن العز : الاعتزاز بعزة الله سبحانه .

 

صفحة (159)

  
ومراد الرواية أن الغنى لا يكون حقيقياً إلا بعد الإخلاص في التوكل والتمحض فيه . وأما بدونه فلا . كما أن العز كذلك . فإنه لا يعطيه الله سبحانه إلا في ذلك المورد .

 

ومنها : حسن الظن بالله عز وجل . قال أمير المؤمنين (ع) فيما قال : والذي لا إله إلا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن . لأن الله كريم بيده الخير . يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه ورجاءه فأحسنوا الظن بالله وارغبوا إليه.

 

وحسن الظن تارة يكون بما هو حاصل في الحال أو في الماضي . وأخرى بما هو غير حاصل . وكلاهما مطلوب من العبد تجاه ربه .


أما فيما هو حاصل : فبالاعتقاد أنه لا يكون إلاّ لمصلحة وحكمة وخير ، سواء حسبه الفرد خيراً أو شراً . لأن الله سبحانه أعلم بمصلحتي مني ومن والدي وولدي وكل الخلق . وهو لا شك أنه فاعل لأفضل الوجوه الممكنة لي على الإطلاق .

 

وأما فيما هوغير حاصل ، فمما يتوقع حصوله في المستقبل . فإن متقضى حسن الظن بالله سبحانه أن لا يصنع بالفرد إلاّ ما هو خير وصلاح وعلى أفضل الوجوه أيضاً . كما فعل فيما مضى تماماً .

 

إلاّ أن نقطة الضعف في الفرد في كلا الحالين : الماضي والمستقبل : اختلاف تقييمه للحوادث عن تقييم الحكمة الإلهية لها . ومقتضى حسن الظن بالله سبحانه هو أن يفعل الأفضل في حكمته ، لا الأفضل في نظر الفرد ، وهو قاصر مقصر . ومن هنا قال تعالى :  ﴿وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم .

 

ومعه فلا بد من تطوير حسن الظن بالله سبحانه إلى الاطمئنان بكل أفعاله . ومنها الصبر ، وهو على أقسام : صبر على طاعة الله وصبر عن معصية الله وصبر على البلاء : قال الله تعالى : ﴿ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .

 

صفحة (160)