|
||
|
كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن معنى الأهل غير معنى الأسرة ، وبذلك المعنى قد يكون من في الأسرة من الأهل وقد لا يكون . بل تنص الآية على أن بعض الأسرة قد يكون عدواً فعلاً ، من حيث يعلم الفرد أو لا يعلم . فإن العدو من يريد بك الشر، وما أكثر من يريد بك الشر من داخل الأسرة وخارجها . قال الله تعالى : ﴿ إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم ﴾ . وبالطبع إذا كان عدواً فإنه يستحيل أن يكون من الأهل . فإن معنى الأهل قائم على معنى الأخوة والتعاطف والحب . مع أن العداوة منبع البغضاء والشر . فلا يمكن أن يجتمعا . وإن كان الظاهر السطحي على ذلك ، باعتباره من الأسرة .
وقد عرفنا الأهل في الجزء الأول من هذا الكتاب بأنهم : هم الذين يتجاوب ويتناسب معهم الفرد عقلياُ وروحياً ونفسياً ونشاطاً . لا يتكبر عنهم في حاجة ولا يحجب عنهم سراً ولا يحصل من ناحيتهم عليه هم أو غم . فهم متلائمون متعاونون محبوبون متفقون على الأمور كلها . فهؤلاء هم الأهل .
وهذا المعنى من الأهل ، قلما يوجد في الأسرة نفسها ، بل ذلك نادر الوجود . كما انها من النادر أن يكون العدد كثيراً ، بل هو قليل لا محالة . ومن هنا يمكن أن يمثل كل مجموعة أسرة معنوية . وإن كانوا من أسر متعددة وبلدان متفرقة .
فإن مثلت هذه الأسرة جانب الحق وتكفلت به ، فهي الأسرة المحقة أو الهادية المهدية . وإن مثلت جانب الباطل، فهي الأسرة الضالة المضلة . وكلامنا الآن عن الأسرة المحقة ، بطبيعة الحال .
ومن الطبيعي أن يكون في الأسرة أورد وذرية ، ذكوراً وإناثاً ، وهم الذين اقتضت المصلحة العقلية والعلمية أن تتكفل أنت مسؤولية تعليمهم وتوجيههم وتكاملهم . فهم بمنزلة اولادك وأنت الأب الروحي لهم . كما أن أمثالك في المستوى يكونون بمنزلة إخوتك . بل هم فعلاً إخوانك في الإيمان والعلم والعمل الصالح .
صفحة (155) ومن هنا يتضح بجلاء كيف أن الأولاد يكونون هم الأهم والمقدمون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . بل مطلق من في الأسرة المعنوية ، ما دام بعضهم يتكفل مسؤولية البعض الآخر ، وما دام أفرادهم يتقبلون التربية والتوجيه ، ولا يتكبرون عن تنفيذ الأوامر الحقة . كما لا يحصل منهم ضرر أو يتوجه إليك منهم عتاب . وإلاًّ فمن الواضح أن من لم يكن كذلك ، فهو ليس من أسرتك المعنوية بأية حالة .
قال الفقهاء – كما سمعنا قسطاً منه – : إن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مراتب متعددة . أقلها الإنكار بالقلب ، وهو أقل الإيمان ، ثم الإنكار باللسان ثم الإنكار باليد .
والمهم الآن الإلماع إلى أن الإنكار باليد له مراتب . قد يصل معه إلى القتل . ومن هنا جوز الفقهاء القتل أحياناً من أجل تنفيذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
فهنا قد يتوجه السؤال أكيداً ، عن فائدة الأمر بالمعروف للمقتول فإن المفروض بالأمر والنهي أن يستتبع العمل والطاعة والتنفيذ ، فإذا قتل المأمور كان عاجزاً عن العمل . بل لا معنى لأمره وتوجيهه مع قتله . بل ينبغي المحافظة على حياته من أجل توقع الطاعة والتنفيذ من قبله .
وجواب ذلك على عدة مستويات :
المستوىالأول : إننا ينبغي أن نلتفت إلى أن القتل لا ينال إلاَّ المعاند ولا يشمل غيره ، لأن الفرد إذا لم يكن معانداً ومصراً على المعصية ، لما احتاج الحال إلى قتله . ولكفى فيه التوجيه باللسان أو الضرب باليد ونحو ذلك . ولما لم يكف فيه كل ذلك ،إذن فهو مصر ومعاند ضد الحق . ومثل هذا الفرد يجوز قتله ، ودمه هدر، ولا أسف عليه ، بل يتسبب القاتل إلى خلاص المجتمع من شره ، جزاه الله خيراً .
صفحة (156)
المستوى الثاني : إن في القتل نفعاً للمأمور نفسه ، لأن المفروض كونه معانداً على الاستمرار في المعصية ، كشرب الخمر مثلاً ، فيكون قتله سبباً لانقطاع سيئاته وتقليل ذنوبه . إذ لو كان قد عاش لتكرر منه ذلك أكثر وأكثر .
ومن هنا ورد : إن الموت نعمة على الكافر والمؤمن . أما الكافر فلتقليل ذنوبه وستر عيوبه . وأما المؤمن فللمبادرة إلى ثوابه ومقاماته في الجنة .
المستوى الثالث : إن في قتل المعاند نفعاً للآخرين لا محالة وخلاصاً للمجتمع من مكره وفساده وما قد يصل منه من توجيه فاسد وأمر بالمنكر ونهي عن المعروف .
المستوى الرابع : إنه قد يراد من القتل أخلاقياً قتل الشهوات في النفس وقتل حب الدنيا في القلب . وهذا هو الموت المعنوي الممدوح . وقد ورد : ﴿ موتوا قبل أن تموتوا ﴾ .
ومن هنا كان التوجيه والتدريب الحقيقي نحو التكامل سبباً للقتل لا محالة . فإذا ربيت شخصاً فإن تربيته تؤدي إلى قتله وموته المعنوي لا محالة . وإلاَّ فإن تربيتك فاشلة أو دنيوية لا أكثر ولا أقل .
وهذا هو المعنى الأخلاقي لقولهم : إن الأمر بالمعروف قد يكون سبباً للقتل . فإنه إذا كان ناجحاً مؤثراً أدى إليه لا محالة . وإلاَّ فالنقص إما في المعلم أو في التلميذ أو فيهما معاً . او في أسلوب التربية على أي حال .
قد يخطر في البال أن ما سمعناه من الفقهاء من كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يكون باليد أو بالقتل ، أن ذلك يؤدي إلى الإكراه على فعل المعروف أو الارتداع عن المنكر والإكراه غير محمود النتيجة . فإن المهم هو الطاعة على رضا وطواعية من المخاطب وليس الإكراه .
فإن الفرد المكروه ، قد يعود إلى العمل الفاسد ، عند ارتفاع الإكراه ، بل الغالب هو ذلك . والإكراه على أي حال ليس من التربية الحقيقية ، بل ينافيها ، فكيف الجواب على ذلك ؟ مع العلم ان هذه الأمور تعتبر من الأفكار الواضحة فقهياً ومتسالم عليها لدى الفقهاء .
صفحة (157) |
|