|
||
|
كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالجهة الأخلاقية هنا تكون صحيحة ومؤكدة ضده ، وإن كانت الجهة الفقهية هينة نسبياً ، لأنه داخل تحت إطلاق حديث لرفع المشهور المروي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ):" رفع عن أمتي تسع " . وعد منها الخطأ والنسيان وما لا يعلمون وهو الجهل . ولم يفصّل بين القاصر والمقصر فيجهله أو نسيانه .
على أنه يوجد احتمال معتد به من الناحية الفقهية أيضاً ألا يكون معذوراً . وإن قلنا به فهو خاص بالأحكام التكليفية دون الأحكام الوضعية وأصول الدين .
قالوا : من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : أن لا يلزم منها ضرر على النفس أو العرض أو المال على الآمر أو على غيره من المسلمين . فإذا لزم الضرر ، لم يجب شيء .
وأضافوا : بأن الظاهر أنه لا فرق بين العلم بلزوم الضرر والظن به ، والاحتمال المعتد به عند العقلاء ، الموجب لصدق الخوف .
صفحة (152) قالوا : هذا فيما إذا لم يحرز تأثير الأمر أو النهي ، وأما إذا أحرز ذلك ، فلا بد من رعاية الأهمية ، فقد يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع العلم بترتب الضرر أيضاً ، فضلاً عن الظن به أو احتماله .
وأخلاقيته المباشرة ينبغي أن تكون واضحة ، فإنه يرجح إلى رجحان المحافظة على النفس من الأضرار المحتملة , وان حرم الطرف الآخر من النفع . وإذا نظرنا إلى الطرف الآخر نفسه قلنا ، إن الأرجح هو حرمانه من الهداية والتوجيه باعتباره مصدراً للضرر يقيناً أو احتمالاً . فلو لم يكن مصدراً له كان أهلاً للهداية وإلاَّ فلا.
وهذا مطلب صحيح في نفسه ، فإن محتمل الضرر ينبغي أن نهديه ألاً ، بحيث نجعله غير محتمل الضرر ، ثم ندخل معه في التفاصيل الأخرى . فالدخول في التفاصيل مع احتمال الضرر لا يكون مورداً للاستحقاق ، فضلاً عن اليقين به .
ولكننا لو تجاوزنا الضرر المادي إلى الضرر امعنوي ، لوجدنا أن الأمر
والنهي والهداية ، ليس فيها ضرر في الأعم الأغلب . بل هي النفع ومسببة
للنفع أيضاً من أكثر من جهة . كما قال أمير المؤمنين عليه السلام :
ولكن مع ذلك قد يوجد ضرر في التعليم والهداية المعنوية ، وذلك في موارد . منها : التصدي لتعليم غير المستحق ، بما فيه الاستعجال في تربيته وتكميله قبل استحقاقه . ومنها : تحميل الفرد أكثر من تحمله وطاقته من العلم والعمل . ومنها : كشف الحكمة لغير أهله ، والتصريح بما لا ينبغي التصريح به من جهة معنوية .
صفحة (153) قلنا : نعم ، ولكن إذا تضرر المخاطب تضرر المتكلم . لأنه أوقع صاحبة في الضرر فيتحمل أمام الله مسؤوليته ومسؤولية الحكمة التي أوصلها إلى غير أهلها .ويكون مخاطباً ومكلفاً بإصلاح الأمر الذي أفسده طبقاً لما ورد: ( كسرته وعليك جبره ) . وفي الأعم الأغلب أنه يكون عاجزاً عن هذا الإصلاح . ولو كان قد كتم الحكمة وفكر قبل خروج الكلمة ، لكان خيراً له . ولكفي الشر كله .
وإذا فسد هؤلاء أو انحرفوا عن جادّة الاستقامة ، كانت مسؤوليتهم عليه ، إذا كان قد أهمل أو قصر أو قلل أهمية الهداية أو العمل على تركيزها فيهم . فضلاً عما هو أكثر من ذلك ، كما لو علمهم طريق الضلال وهداهم لأساليب الشر . والعياذ بالله .
وهذا من الناحية الأخلاقية المباشرة أو الظاهرة واضح جداً ، فإن الهداية والخير والأخلاق ، يجب على كل جيل حفظه في الجيل الآخر ، لكي تبقى تحت التداول جيلاً بعد جيل . لكي يتوارث الناس التقوى والصلاح ، بدلاً من الخبث والفساد .
وهو مسؤولية أخلاقية ضخمة ومهمة في رقاب الجيل كله . ويختص كل فرد منهم بمن يعرفه ويتصل به . وأهم كل ذلك هو الأسرة والذرية بطبيعة الحال .
إلاَّ أننا إذا خطونا خطوة أخلاقية أخرى ، كان اللازم علينا أن نعرف معنى الأهل أولاً . لكي نطبق معنى الهداية لهم ثانياً .
صفحة (154) |
|