كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
 

فالجهة الأخلاقية هنا تكون صحيحة ومؤكدة ضده ، وإن كانت الجهة الفقهية هينة نسبياً ، لأنه داخل تحت إطلاق حديث لرفع المشهور المروي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ):" رفع عن أمتي تسع " . وعد منها الخطأ والنسيان وما لا يعلمون وهو الجهل . ولم يفصّل بين القاصر والمقصر فيجهله أو نسيانه .


الأمر الثاني : ما يقال عرفاَ وقانوناً من أن الأصل العلم بالقانون . ولولا هذا الأصل أمكن للجميع أو الأكثر الاعتذار بالجهل بالمادة القانونية . وهذا معناه أنهم لا يعذرون حتى مع الجهل قصوراً ، فضلاً عن التقصير . إلاَّ أن الأخذ بإطلاق ذلك لا يتم لا عند العقلاء ولا عند الشريعة ، إذ لو كان الفرد معذوراً في قصوره كان معذوراً في جهله لا محالة ، ولكان القانون في مثل ذلك ظالماً .

 
وإنما يبدأ الخلاف بين النظرية الفقهية من ناحية والنظرية الأخلاقية في الجاهل المقصر ومراتب تقصيره ، فقد نجده في الفقه معذوراً في جهله . بينما لا يكون معذوراً أخلاقياً . إذ من الواجب عليه أن يكون ملتفتاً أقصى مقدار ممكن إلى حاله وإلى أفعاله . فإن قصر في ذلك أو أهمل ، لم يكن معذوراً .

 

على أنه يوجد احتمال معتد به من الناحية الفقهية أيضاً ألا يكون معذوراً . وإن قلنا به فهو خاص بالأحكام التكليفية دون الأحكام الوضعية وأصول الدين .

 

الفقرة ( 10 )

 

قالوا : من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : أن لا يلزم منها ضرر على النفس أو العرض أو المال على الآمر أو على غيره من المسلمين . فإذا لزم الضرر ، لم يجب شيء .

 

وأضافوا : بأن الظاهر أنه لا فرق بين العلم بلزوم الضرر والظن به ، والاحتمال المعتد به عند العقلاء ، الموجب لصدق الخوف .

 

صفحة (152)

 

قالوا : هذا فيما إذا لم يحرز تأثير الأمر أو النهي ، وأما إذا أحرز ذلك ، فلا بد من رعاية الأهمية ، فقد يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع العلم بترتب الضرر أيضاً ، فضلاً عن الظن به أو احتماله .

 

وأخلاقيته المباشرة ينبغي أن تكون واضحة ، فإنه يرجح إلى رجحان المحافظة على النفس من الأضرار المحتملة , وان حرم الطرف الآخر من النفع . وإذا نظرنا إلى الطرف الآخر نفسه قلنا ، إن الأرجح هو حرمانه من الهداية والتوجيه باعتباره مصدراً للضرر يقيناً أو احتمالاً . فلو لم يكن مصدراً له كان أهلاً للهداية وإلاَّ فلا.

 

وهذا مطلب صحيح في نفسه ، فإن محتمل الضرر ينبغي أن نهديه ألاً ، بحيث نجعله غير محتمل الضرر ، ثم ندخل معه في التفاصيل الأخرى . فالدخول في التفاصيل مع احتمال الضرر لا يكون مورداً للاستحقاق ، فضلاً عن اليقين به .

 

ولكننا لو تجاوزنا الضرر المادي إلى الضرر امعنوي ، لوجدنا أن الأمر والنهي والهداية ، ليس فيها ضرر في الأعم الأغلب . بل هي النفع ومسببة للنفع  أيضاً من أكثر من جهة . كما قال أمير المؤمنين عليه السلام :
 "المال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق" . فإذا زكا العلم بالإنفاق أي بالتعليم والهداية للغير ، وحصلت فيه الزيادة ، فهذا هو النفع لمعطيه ، مضافاً إلى الثواب الأخروي ، فلا يمكن أن يكون فيه ضرر .

 

ولكن مع ذلك قد يوجد ضرر في التعليم والهداية المعنوية ، وذلك في موارد . منها : التصدي لتعليم غير المستحق ، بما فيه الاستعجال في تربيته وتكميله قبل استحقاقه . ومنها : تحميل الفرد أكثر من تحمله وطاقته من العلم والعمل . ومنها : كشف الحكمة لغير أهله ، والتصريح بما لا ينبغي التصريح به من جهة معنوية .

 
فإن قلت : فإن الضرر في ذلك أو في أكثره على المخاطب لا على المتكلم ، مع أن الكلام في كون الضرر على المتكلم .

 

صفحة (153)
 

قلنا : نعم ، ولكن إذا تضرر المخاطب تضرر المتكلم . لأنه أوقع صاحبة في الضرر فيتحمل أمام الله مسؤوليته ومسؤولية الحكمة التي أوصلها إلى غير أهلها .ويكون مخاطباً ومكلفاً بإصلاح الأمر الذي أفسده طبقاً لما ورد: ( كسرته وعليك جبره ) . وفي الأعم الأغلب أنه يكون عاجزاً عن هذا الإصلاح .

 ولو كان قد كتم الحكمة وفكر قبل خروج الكلمة ، لكان خيراً له . ولكفي الشر كله .

 

الفقرة ( 11 )

 
قالوا : وإن أخص من يجب أرمه بالمعروف ونهيه عن المنكر وهدايته لطريق الله ، هو الأهل والأسرة كالزوجة والذرية ذكوراً وإناثاً فإن الأب يكون مسؤولاً عن حسن تربيتهم وتوجيههم سواء في أصول العقائد أو في الفروع كالصلاة وغيرها .

 

وإذا فسد هؤلاء أو انحرفوا عن جادّة الاستقامة ، كانت مسؤوليتهم عليه ، إذا كان قد أهمل أو قصر أو قلل أهمية الهداية أو العمل على تركيزها فيهم . فضلاً عما هو أكثر من ذلك ، كما لو علمهم طريق الضلال وهداهم لأساليب الشر . والعياذ بالله .

 

وهذا من الناحية الأخلاقية المباشرة أو الظاهرة واضح جداً ، فإن الهداية والخير والأخلاق ، يجب على كل جيل حفظه في الجيل الآخر ، لكي تبقى تحت التداول جيلاً بعد جيل . لكي يتوارث الناس التقوى والصلاح ، بدلاً من الخبث والفساد .

 

وهو مسؤولية أخلاقية ضخمة ومهمة في رقاب الجيل كله . ويختص كل فرد منهم بمن يعرفه ويتصل به . وأهم كل ذلك هو الأسرة والذرية بطبيعة الحال .

 

إلاَّ أننا إذا خطونا خطوة أخلاقية أخرى ، كان اللازم علينا أن نعرف معنى الأهل أولاً . لكي نطبق معنى الهداية لهم ثانياً .

 

صفحة (154)