الباب الأول

قيادة ما بعد المهدي (ع)

من حيث خصائص الدولة والمجتمع

       ونتكلم عن ذلك في فصل واحد ذو عدة عناوين داخلية :


قيادة ما
بعد المهدي
 

وأعني به نوعية الحاكم الأعلى الذي يتولى رئاسة الدولة العالمية العادلة بعده.

ونوجه بهذا الصدد أطروحتين رئيسيتين:

الأطروحة الأولى : القول بالرجعة ، أي الإلتزام برجوع الأئمة المعصومين إلى الدنيا ليمارسوا  الحكم بعد المهدي.

الأطروحة الثانية : حكم الأولياء الصالحين بعد المهدي (ع) .

وقد ورد في إثبات كل من الأطروحتين عدد من الأخبار، لا بد من سماع المهم منها ، وعرضها على القواعد والقرائن العامة ، لنختار في النهاية إحدى الأطروحتين .

القول بالرجعة:

حين ننظر إلى المفهوم على سعته ، يحتمل أن يكون له أحد عدة معان :

المعنى الأول: ظهور المهدي نفسه ،فإنه قد يصطلح عليه بالرجعة ، باعتبار رجوعه إلى الناس بعد الغيبة ،أو باعتبار رجوع العالم إلى الحق والعدل بعد الإنحراف .

وهذا المعنى حق صحيح ، إلا أن اصطلاح الرجعة عليه غير صحيح ، لأنه يوهم المعاني الاخرى الآتية التي هي محل الجدل والنقاش ،ونحن في غنى عن هذا الإصطلاح  بعد إمكان التعبير عن ظهور المهدي بمختلف التعابير ،وقد مشينا في هذا الكتاب على تسميته ( بالظهور).

المعنى الثاني : رجوع بعض الأموات إلى الدنيا ، وإن لم يكونوا من الأئمة المعصومين .وخاصة من محض الإيمان محضاً ومن محض الكفر محضاً.

 

صفحة (629)


المعنى الثالث : رجوع بعض الأئمة المعصومين (ع) كأمير المؤمنين علي والحسين ،وربما قيل برجوع النبي أيضاً .وهو يرجعون على شكل يختلف عن حال وجودهم الأول في الدنيا من حيث الترتيب ومن حيث الفترة الزمنية أيضاً .

المعنى الرابع :رجوع كل الأئمة (ع) بشكل عكسي ، ضد الترتيب الذي كانوا عليه في الدنيا ، فبعد المهدي يظهر أبوه الإمام الحسن العسكري وبعده يظهر أبوه الإمام علي الهادي وهكذا .

ويمارسون الحكم في الدنيا ما شاء الله تعالى حتى إذا وصل الحكم إلى أمير المؤمنين كان هو دابة الأرض ، وكانت نهاية البشرية بعد موته بأربعين يوماً.

والمعنيان الأخيران، قائمان على الفهم الإمامي للإسلام كما هو واضح .كما أن المعاني الثلاثة الأخيرة التي وقعت محل الجدل والنقاش في الفكر الإسلامي.

وينبغي لنا أولاً :أن نسرد الأخبار الدالة على ذلك ،ونحن نختار نماذج مهمة ولا نقصد الإستيعاب .

أخرج المجلسي في البحار(1) بالإسناد عن محمد بن مسلم قال: سمعت حمران بن أعين وأبا الخطاب يحدثان جميعاً – قبل أن يحدث أبو الخطاب ما أحدث-  أنهما سمعا أبا عبد الله (ع) يقول:

أول من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي .وإن الرجعة ليست بعامة ،وهي خاصة ، لا يرجع إلا من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً.

وبهذا الإسناد عن بكر بن أعين ، قال: قال لي من لا أشك فيه ، يعني أبا جعفر(ع) : أن رسول الله (ص) وعلياً سيرجعان.

" ويوم نحشر من كل أمة فوجاَ" فقال : ليس أحداً من المؤمنين قتل إلا وسيرجع حتى يموت ،ولا أحد من المؤمنين مات إلا سيرجع حتى يقتل .


صفحة (630)
ـــــــــــــــــ  
 

(1) البحار :ج13 ص210 وكذلك الأخبار الثلاثة التي بعده.

 

وفي رواية أخرى عنه (ع)  يقول فيها: فلم يبعث الله نبياً ولا رسولاً إلا ردهم جميعاً إلى الدنيا حتى يقاتلوا بين يدي على بن ابي طالب أمير المؤمني(ع).

وفي رواية أخرى(1) عن حمران عن أبي جعفر ، قال:

إن أول من يرجع لجاركم الحسين (ع) ، فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه من الكبر.

وعن أبي بصير(2) عن أبي عبدالله (ع) ، قال:

انتهى رسول الله (ص) إلى أمير المؤمنين (ع) وهو نائم في المسجد، وقد جمع رملاً ووضع رأسه عليه. فحركه برجله ثم قال : قم يادابة الله . فقال رجل من أصحابه : يارسول الله ، أنسمي بعضنا بعضاً بهذا الإسم ؟ فقال : لا والله ما هو إلا له خاصة ،وهو الدابة التي ذكر الله في كتابه :" وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ،أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون"(3)

 ثم قال : ياعلي ، إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة  ومعك ميسم تسم به أعدائك ...إلى أن قال :فقال الرجل لأبي عبد الله (ع) : إن العامة تزعم أن قوله :" ويوم  نحشر من كل أمة فوجاً "(4) عنى في القيامة، فقال أبو عبد الله(ع) فيحشر الله يوم القيامة من كل أمة فوجاً ويدع الباقين؟ لا . ولكنه في الرجعة ، وأما آية القيامة "وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً "(5).

وعن(6) الحسن بن الجهم ، قال: قال المأمون للرضا  (ع) : يا أبا الحسن ما تقول في الرجعة ؟ فقال:

إنها الحق ، قد كانت في الأمم السالفة ونطق بها القرآن .


صفحة (631)
ـــــــــــــــــ  
 

(1) المصدر : ص211.  (2) المصدر ص213.

(3) 27/82.             (4) 27/83.

(5) 18/47.             (6) البحار13ص214.