وقد قال: رسول الله (ص) : يكون في هذه الأمة كل ما كان في الأمم السالفة حذوا النعل بالنعل والقذة بالقذة. وقال (ع) إذا خرج المهدي من ولدي ، نزل عيسى بن مريم فصلى خلفه . وقال (ع) :إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً ، فطوبى للغرباء . قيل : يارسول الله . ثم يكون ماذا ؟ قال: ثم يرجع الحق إلى أهله.

وعن(1) عبد الله بن سنان ، قال: قال أبو عبد الله (ع) قال رسول الله (ص) :

لقد أسري بي ربي عز وجل ، فأوحى إلي من وراء حجاب ما أوحى وكلمني ما كلم به ،وكان مما كلمني به...  يامحمد ، عليّ آخر من أقبض روحه من الأئمة (ع) وهو الدابة التي تكلمهم..... الخبر.

وفي البحار أيضاً(2) عن الإرشاد : روى عبد الكريم الخثعمي عن أبي عبد الله (ع) قال:

إذا آن قيام القائم مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب ، لم تر الخلائق مثله .فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم ،وكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ، ينفضون شعورهم من التراب .

وقال المجلسي بعد سرده للأخبار:

اعلم يا أخي أني لا أظنك ترتاب بعد ما مهدت و أوضحت لك في القول بالرجعة التي اجمعت الشيعة عليها في جميع الأعصار واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار .... وكيف يشك مؤمن بحقية الأئمة الأطهار فيما تواتر عنهم من مأتي حديث صريح  ، رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام ، في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم ، ثم عدهم المجلسي واحداً واحداً.

وهذا الكلام من المجلسي يواجه عدة مناقشات:

المناقشة الأولى: أن إجماع الشيعة وضرورة المذاهب عندهم ، لن تثبت على الإطلاق ، بل المسألة عندهم محل الخلاف والكلام على طول الخط . والمتورعون منهم يقولون: أن الرجعة ليست من أصول الدين ولا من  فروعه ولا يجب الإعتقاد بشيء بل يكفي إيكال علمها إلى أهله. فهل في هذا الكلام  - وهو الأكثر شيوعاً – اعتراف بالرجعة.


صفحة (632)
ـــــــــــــــــ  
 
(1) المصدر : ص217.
  (2) المصدر : ص223.

 

وإنما اعتراف من اعترف بالرجعة وأخذ بها ، نتيجة لهذه الأخبار التي ادعى المجلسي تواترها ، إذاً ، فالرأي العام المتخذ حولها – ولا أقول الإجماع – ناتج من هذه الأخبار، ولا يمكن أن تزيد قيمة الفرع على الأصل.

المناقشة الثانية: أنه من الواضح أن مجرد نقل لرواية لا يعني الإلتزام بمضمونها والتصديق بصحتها ، من قبل الناقل أو الراوي .إذاً فهؤلاء الأربعون الناقلون لهذه الروايات لا يمكن أن نعدهم من المعترفين بالرجعة.

المناقشة الثالثة: أن هؤلاء الرواة الإثنين والأربعون الذين عددهم المجلسي لم يجتمعوا في جيل واحد. فلو رويت أخبار الرجعة من قبل أربعين شخصاً في كل جيل حتى يتصل بزمن المعصومين (ع) ،لكانت أخبار الرجعة متواترة .ولكن يبدو من كلام المجلسي نفسه ،وهو أوسع الناس إطلاعاً في عصره ، أن مجموع الناقلين لأخبار الرجعة من المؤلفين في كل الأجيال الإسلامية إلى حين عصره لا  يعدو  النيف والأربعين راوياً .فلو أخذنا المعدل وهو عملية لا مبرر لها الآن ، لرأينا أنه يعود إلى كل  جيل حوالي أحد عشر مؤلفاً، لأن المجلسي عاش في القرن الحادي عشر الهجري ،وهو عدد لا يكفي للتواتر .

المناقشة الرابعة : إن عدد المؤلفات التي ذكرها المجلسي ، لا تثبت عن مؤلفيها ، أو لم تصلنا عنهم بطريق صحيح مضبوط  ،أو أن روايته عن مؤلفه ضعيفة أساساً .كتفسير علي بن ابراهيم ،وكتب أخرى لا حاجة إلى تعدادها.

المناقشة الخامسة : إن الروايات التي نقلها هؤلاء ، ليست كلها صريحة وواضحة ، وسنعرف عما قليل أنها مشوشة قد لا تدل على الرجعة أصلاً وقد تدل على الرجعة بالمعنى العام المشترك بين الإحتمالات الثلاثة السابقة ،وقد تدل على واحد منها بعينه وتنفي الإحتمالات  الأخرى .وهكذا.

إذاً فالتواتر المدعى ليس له مدلول معين ، ومعنى ذلك: أن الأخبار لم تتواتر على مدلول بعينه. وسنحاول إيضاح هذه النقطة أكثر.

ومعه، فكلام المجلسي يحتوي على شيء من المبالغة في الإثبات على أقل تقدير وأما مناقشات مداليل الأخبار، فنشير إلى المهم منها:

المناقشة الأولى : عدم اتحاد الأخبار بالمضمون . فإن مداليلها مختلفة اختلافاً شديداً . حتى لا يكاد يشترك خبران على مدلول واحد تقريباً .

 

صفحة (633)
 

والمداليل التي تعرب عنها الأخبار عديدة :

المدلول الأول: رجوع من محض الإيمان محضاً ورجوع من محض الكفر محضاً.

المدلول الثاني: رجوع كل مؤمن على الإطلاق .لأنه إن كان قد مات فهو يرجع ليقتل ،وإن كان قد قتل فيرجع ليموت.

المدلول الثالث : رجوع الأنبياء جميعاً.

المدلول الرابع : رجوع رسول الله (ص) .

المدلول الخامس: رجوع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

المدلول السادس : رجوع الحسين بن علي (ع).

المدلول السابع: رجوع جماعة من كل أمة.

المدلول الثامن: رجوع عدد من المؤمنين في الجملة.

المدلول التاسع : رجوع بعض الأئمة المعصومين (ع) إجمالاً.

المدلول العاشر: رجوع الحق إلى أهله ،وهو ليس قولاً بالرجعة كما عرفنا.

وليس شيء من هذه المداليل متواتر في الأخبار بكل تأكيد .

نعم، هناك مدلول مشترك إجمالي بين الأخبار الدالة على المداليل التسعة الأولى .

وهو رجوع بعض الأموات إجمالاً إلى الدنيا قبل يوم القيامة.وهو ما تتسالم عليه كثير من الأخبار . ومن هنا يكون قابلاً للإثبات ، إلا أنه لا ينفع القائلين بالرجعة ، على ما سنقول.

المناقشة الثانية : إن الإلتزام بصحة المداليل التسعة جميعاً ، أي القول بصحة الرجعة على إطلاقها ،مما لا يمكن ، لضعف الأخبار الدالة على كثير منها .وأما الإلتزام بها إجمالاً ، بالمعنى الذي أشرنا إليه، فهو لا ينفع القائلين بالرجعة ، لأن القول بالرجعة من الناحية الرسمية يتضمن أحد المعاني الثلاثة التي ذكرناها في أول الفصل . وهذا المعنى الإجمالي لا يعني واحداً منها . بل ينسجم مع افتراضات أخرى كما هو واضح .

فهي لا تتعين في حدوثها بعد وفاة المهدي (ع) مباشرة ، ولا أنها على نطاق واسع.

ولا تتعين في أحد المعصومين (ع) ولا من محض الإيمان محضاً ،ولا غير ذلك.


صفحة (634)