وسيكون حكم الأولياء الصالحين ، فترة تمهيدية أو انتقالية ،يوصل المجتمع العالمي إلى عصر العصمة ،حيث يكون الرأي العام المتفق معصوماً ، كما أشرنا في التاريخ السابق(1) وعندئذ سترتفع الحاجة إلى التعيين في الرئاسة العامة ،كما كان عليه الحال خلال حكم الأولياء الصالحين ،وستوكل الرئاسة إلى الإنتخاب أو الشورى، حين يكون الأفراد كلهم من :
"للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون "(2).
وستوضع الشورى موضع التنفيذ طبقاً لقوانين تصدر يومئذ لا يمكن التعرف عليها الآن.

وببدء الشورى يكون عصر حكم الأولياء الصالحين المنصورين بالتعيين قد انتهى. ولكن الحكام الجدد المنتخبين سيكونون أولياء صالحين أيضاً ،إلا أنه هناك فرقاً بين اسلوب تربيته أساساً .ان الحاكم الذي سيتم تنصبه عن طريق التعيين ،يكون بكل تأكيد نتيجة لتربية خاصة مركزة من قبل سلفه، مقترنة بالتعليم الواضح المفصل للقواعد الموروثة من قبل الإمام المهدي (ع).
وأما الحاكم المنتخب، فهو لا يكون إلا في مجتمع يكون رأيه العام معصوماً ،ومثل هذا المجتمع كما أن الأعم الأغلب من أفراده صالحين وعادلين ولذا أصبح رأيه العام معصوماً، لأن الرأي العام من الصالحين لا يكون إلا صالحاً . يحتوي – إلى جنب ذلك ـ على عدد يقل أو يكثر وصلوا إلى درجة عليا من العدالة والإلتزام الصالح، قد نسميها بالعصمة ،أعني ما يسمى بلغة الفلاسفة المسلمين بالعصمة غير الواجبة .وبتلك الصفة نفسها يكونون مؤهلين لتولي الرئاسة العامة للدولة العالمية العادلة ،ولن يكون بينهم وبين توليهم الفعلي إلا تجمع الأصوات في صالح أحدهم.
بقيت بعض الأسئلة و المناقشات ،تلقي أجوبتها أضواء كافية على هذا التسلسل الفكري ،نعرضهاعلى شكل سؤال وجواب.

صفحة (647)
ـــــــــــــــــ  
 

(1) تاريخ الغيبة الكبرىص480

(2) 42/36-38

 

السؤال الأول : ما هو عدد الأولياء الصالحين؟

هذا ما لا بد في تعيينه الرجوع إلى الأخبار السابقة. قال الخبر الأول الذي نقلناه " أن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً ". وقال في خبر آخر " ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً".

وموقفنا من هذا الإختلاف ،أننا أما أن نعتبر كلا الخبرين ،إذا نظرنا لكل واحد منهما مستقلاً، قابلاً للإثبات التاريخي  ،وإما أن نعتبرهما معا غير قابلين له ،أو يكون أحدهما قابلاً دون الآخر.

فإن لم يكونا قابلين للإثبات وهذا لا يعني سقوط أصل نظرية حكم الأولياء الصالحين ،لإستفادتها من مجموع الأخبار ...إذاً فيصعب الجواب على هذا السؤال ، فقد يكون عددهم كثيراً وقد يكون قليلاً .تبعاً للمصلحة التي يراها المهدي نفسه حين يؤسس هذا الحكم بعده ،وميزاته كماعرفنا تصل البشرية إلى عهد الشورى حين يكون الرأي العام معصوماً ، ولا يبقى العدد مهماً إلى درجة عالية.

نعم، قد ينبثق من التفكير الإمامي رجحان أن يكون الأولياء اثني عشر ،كما كان الأئمة المعصومون(ع) اثني عشر، غير أن هذا بمجرده لا يكفي للإثبات كما هو واضح.

وإن كان كلا الخبرين قابلاً للإثبات دون الآخر ،أخذ بمدلوله دون الاخر ،ويمكننا بدوياً أن نقول: أن الخبر القائل بعدد الإثني عشر أصح واثبت  فيؤخذ به ، ويبقى الآخر غير قابل للإثبات.

وأما إذا كان كلا الخبرين قابلين للإثبات، فيمكن الجمع بينهما، برفع اليد عن ظهور الخبر القائل بالأحد عشر ولياً،عن ظهوره بالحصر والضبط ، بقرينة الخبر الآخر القائل بالإثني عشر ،تكون النتيجة هو الإلتزام بالإثني عشر بطبيعة الحال.

وبذلك يظهر أن الرقم الإثني عشر راجح على كل التقادير ،وإن كان يحتاج إلى دليل مثبت أحياناً ،وسنفرضه فيما يلي أمراً مسلماً لتسهيل الفكرة على أقل تقدير.

السؤال الثاني: كم  مدة حكم الأولياء الصالحين بالسنين؟

إذا كان عدد الأولياء الحاكمين إثني عشر، وهم يتولون الرئاسة في عمر اعتيادي بطبيعة الحال، غير أن معدل العمر الإعتيادي ،في دولة العدل الكامل في مجتمع السعادة والأخوة والرفاه ، لن يكون هو الستين أو السبعين، بل هو مئة على أقل تقدير ، ومن هنا يمكن أن يعيش الرئيس ثمانين عاماً منها ،وهو على كرسي الرئاسة. فإذا كان معدل بقاء الفرد منهم ستين عاماً ،كان مجموع  مدة حكم الأولياء الصالحين سبعمئة وعشرين عاماً.

 

صفحة (648)
 

وهي مدة كافية جداً لتربية البشرية تربية مركزة دائبة ودقيقة ،وإيصالها إلى مجتمع العصمة.

السؤال الثالث: كيف يعرف المجتمع بدء صفة العصمة؟

ومعرفته بذلك يعني عدة نتائج أهمها ما عرفناه من انتهاء حكم الأولياء الصالحين وبدء حكم الأولياء المنتخبين عن طريق الشورى .

لمعرفة المجتمع بذلك عدة أطروحات محتملة:

الأطروحة الأولى:

في غاية البساطة، وهي أن المجتمع عرف بوصية المهدي(ع) نفسه عدد الأولياء الصالحين الذين سيمارسون الحكم فيه ،ككونهم اثني عشر فرداً – مثلاً ـ فإذا تم العدد ، كان حكم هؤلاء الأولياء قد انتهى وبالملازمة يكون مجتمع العصمة قد بدأ .إذ من غير المحتمل أن تكون الدولة قد فشلت في مهامها التربوية.

الأطروحة الثانية : لو فرضنا عدد الأولياء كان مجهول، وهو أمر بعيد عن أي حال .فمن المحتمل أن تكون هناك وصية خاصة بالأولياء أنفسهم موروثة من الإمام المهدي (ع) تقول : في عام كذا إذا مات الولي الحاكم يومئذ ، فعليه ألا يوصي إلى شخص بعده ، بل ينتقل الأمر إلى الشورى. وقد يكون في ضمن الوصية تعليل ذلك بأن مجتمع العصمة قد بدأ.

الأطروحة الثالثة : أن تكون هناك وصية خاصة بالأولياء موروثة عن الإمام المهدي (ع) تحدد انتهاء حكمهم بحوادث وصفات اجتماعية معينة ،تعود إما إلى وقائع تاريخية أو إلى تحديد في المستوى العقلي والثقافي  للبشرية ، الذي سيكون عليه في المستقبل ، أو إلى غير ذلك.

وهذه الأطروحة صادقة أيضاً فيما إذا لم يكن عدد الأولياء الصالحين معيناً سلفاً.

السؤال الؤابع: إن هؤلاء الأولياء الصالحين، هل هم متفرقون من حيث النسب ، أو انهم متسلسلون في النسب ينتهون إلى الإمام المهدي (ع) نفسه، أو أنهم على شكل آخر.

وينبغي أن نفهم سلفاً أنه لا اهمية كبيرة في الجواب على هذا السؤال إذ الأهم في الموضوع هو صفاتهم الذاتية وأعمالهم العادلة ، دون قضية النسب .


صفحة (649)