ولم يكن محور حركة الفتح الإسلامي واحداً ، بل كانت محاوره متعددة ، فالخلافة العباسية بقوادها الأتراك وغيرهم كانت تشارك فيه ، والدولة الأموية في الأندلس ، كانت دائمة المناوشة مع الافرنج . وكان أحمد بن طولون ممن يتولى الغزو أيضاً (1) . ودولة افريقية برئاسة محمد بن الأغلب وأسرته كانت تتولاه أيضاً (2) .

وبهذا نرى أن حوادث الفتح ، مختلفة اختلافاً اساسياً عن مفاهيم الفتح الإسلامي الواعي الأصيل ، فالغزو أصبح للتجارة والحصول على الغنائم ، حتى أن القائد الغانم كان يساوم عليه بخمسة عشر ألف دينار فلا يقبل.

ولم تكن الدعوة إلى الإسلام قبل البدء بالقتال موجودة ولا متبعة ، مع أن وجوبها من واضحات الشريعة . كما أن الأسرى كانت تقتل ، خلافاً لتعاليم الإسلام . كما أن البلاد المفتوحة لم تكن تدخل على أثر الفتح في مجموعة البلاد الإسلامية . كما أن البلاد المفتوحة لم تكن تدخل على أثر الفتح في مجموعة البلاد الإسلامية ، بل كان القواد بمجرد أن يحلوا على أرباحهم يتركون البلاد تنادي بالويل والثبور ، ويرجعون ، من دون أن يجعلوا عليها والياً إسلامياً ، أو يطلبوا من أهلها الدخول في دين الإسلام أو دفع الجزية .

 ـــــــــــــــــــــ

(1)    المصدر جـ 6 ص 14 وما بعدها .

(2)    المصدر جـ 5 ص 289 .


صفحة (98)

 

كما أن الروم ، وهم عبارة عن الافرنج عامة والبزنطيين خاصة ، حين كانوا يرون أن الفكرة الأساسية للجهاد في ذلك الحين هو النفعية ، كانوا هم أيضاً يقومون بنفس العمل ، فيغزن البلاد الإسلامية ويقتلون جملة من أهلها، ويكسبون الربح التجاري ويرجعون، فهم كالمسلمين، من حيث العدة والعدد ، فلماذا يمتنعون عن ذلك؟! وماذا يميز المسلمين عنهم من الوعي المقدس الذي كان قد تبخر وانتفى. ومن ثم نجد أن الجيش الإسلامي ليس هو الغالب دائماً في هذا العصر الذي نؤرخه ، بل هناك انتصارات يحرزها الروم ، كما سبق أن سمعنا .

كما أن الفتح كان ، في الأغلب مستقلاً عن خلافة بغداد ، وعن رأيها واذنها ، وإنما كان القواد وحكام الأطراف يقومون به كل حسب رأيه ومصلحته. ولم نسمع ارسال الخليفة أحداً للغزو إلا فيما سمعناه من المنتصر حين أغزى وصيفاً التركي، على أن هذه الحادثة الوحيدة ، لم تكن في سبيل الله، وإنما كانت إيفاءً للاحقاد والتباغض الذي كان بين وصيف وأحمد بن الخصيب ، كما سمعناه .


صفحة (99)