الفصل الثاني

 

تاريخ الإمام علي بن محمد الهادي (ع)

 

كانت سامراء عاصمة الدولة العباسية في أوج عزها وعمرانها ، وكان المتوكل هو تسنم كرسي الخلافة جاء به جماعة من الموالى والاتراك عام 232هـ . وكان قد تسلم الخلافة حاقداً على أئمتنا (ع) وعلى اصحابهم حذراً منهم كل الحذر . وهذا واضح لمن يراجع التاريخ كل الوضوح (1) بلغ في آل ابي طالب ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله ، وكان من ذلك ان كرب قرب الحسين السلام وعفى آثاره .

وفكر المتوكل ان يستقدم الامام علي بن محمد الهادي عليه السلام إلى سامراء من المدينة ، آخذاً بالاسلوب الذي اخترعه المأمون العباسي وسار عليه من بعده تجاه الامام الجواد محمد بين علي عليه السلام ، ومن بعده الأئمة (ع) . فان المأمون حين زوج ابنته أم الفضل للامام الجواد عليه السلام ، كان قد وضع الحجر الأساسي للمراقبة الشديدة والحذر التام من الامام عليه السلام من الداخل ، مضافاً إلى مراقبته من الخارج . 

_________________

(1) انظر الكامل جـ ، ص 304 ، ص 287 جـ 4 ص 51 ومقاتل الطالبين جـ 3 ص 424 .


صفحة (101)

 

وكان هذا الزواج وتقريبه إلى البلاط ، أسلوب ناجح الوصول إلى هذه النتيجة التي يراد بها جعل الامام عليه السلام بين سمع الخليفة وبصره ، وعزله عن قواعده الشعبية الموالية له ، وكفكفة نشاطه.

وإذ توفي الامام الجواد عليه السلام ، وتولى الامام الهادي عليه السلام الامامة بعده ، لم يكن ليفوت المتوكل ضرورة تطبيق نفس هذا الاسلوب عليه ، فهو يرى ان الامام حال وجوده في المدينة ، بعيداً عنه ، يشكل خطراً على الدولة لا محالة ، اذن فلا بد من استقدامه إلى سامرا حتى يأمن خطره ويهدأ باله ، ويضعه تحت الرقابة المباشرة منفصلاً عن قواعده الشعبية .

ومن ثم كانت الوشاية به – وهي ناقوس الخطر – كافيه لحفز المتوكل على ضعضعة حياة الامام الهادي عليه السلام ، ونقله من موطنه وداره في المدينة ، إلى العاصمة سامراء ، لكي يبدأ تاريخاً جديداً حافلاً في موطنه الجديد .

الاتجاه العام للامام الهادي (ع) :

في استقدام المتوكل اياه :

لم يكن من المصلحة في نظر الامام عليه السلام ، اعلان الخلاف ضد المتوكل ، وكذلك كانت سياسة ابيه وابنائه عليهم السلام بالنسبة إلى الخلافة العباسية ، حتى تكللت هذه السلبية بغيبة الامام المهدي عليه السلام

ولعلنا في غنى عن اعطاء الفكرة الكاملة عن سبب هذه السلبية ، بعد وضوح ان ما يستهدفه الأئمة (ع) انما هو تأسيس المجتمع الاسلامي العادل الواعي الذي يطبق تعاليم الاسلام بتفاصيلها ، ويتعاون افراده في انجاح التجربة الاسلامية .

صفحة (102)

 

وهذا انما يتوفر بعد وجود عنصرين :

اولهما: وجود الخلافة الاسلامية بالشكل الذي كان يؤمن به الأئمة عليهم السلام ، وهو توليهم بانفسهم منصب الامامة ورئاسة الدولة الاسلامية ، أو من يعينونه ويختارونه لذلك .

ثانيهما : وجود المجتمع الذي يملك اكثرية كبيرة أو مئة بالمئة ، لو تحقق ، من الافراد الواعين المتشبعين بفهم الاسلام نصاً وروحاً ، ومستعدين للتضحية في سبيله ، ولقول الحق ولو على أنفسهم ، ورفض مصالحهم الضيقة تجاهه . والذين يبذلون – نتيجة لذلك – الطاعة المطلقة للحاكم الاسلامي الحق .

ولعلنا نستطيع ان نستوضح أهمية انضمام هذين العنصرين في تكوين الدولة الدولة الاسلامية ، اذا تصورنا تخلى بعضها عن بعض . في صورة ما إذا تولى الامام الحق منصب الرئاسة في مجتمع متضارب الآراء مختلف الاهواء ، يعيش افراده على اللذاذة الآنية والمصلحة الشخصية ، بعيدين عن الاسلام وعن الاستعداد للتضحية في سبيله باقل القليل . هل يستطيع الامام ان يقدم الخدمات الاسلامية المطلوبة ، لمثل هذا المجتمع .

كلا ، فان تطبيق العدل الكامل ، يحتاج إلى العمل الدائب والتضحيات الكبيرة والطاعة المطلقة للرئيس العادل ، وكل ذلك مما لا يمكن توفره في المجتمع المنحرف وغير الواعي.


صفحة (103)