ومن الأئمة عليهم السلام ، يرون المصلحة في تولي رئاسة الدولة الاسلامية في المجتمع المنحرف ، الذي أدى بمن تولى هذا المنصب منهم إلى المتاعب المضاعفة وإلى القتل في نهاية المطاف. وهم : جدهم الأعلى امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ، ومن بعده ابنه الامام الحسن المجتبى عليه السلام ، إذ لو كان المجتمع واعياً ومضحياً في سبيل دينه في عصرهما (ع) لكان لهما خاصة وللامة الاسلامية عامة تاريخ غير هذا التاريخ .

ولم يكن المتجتمع في خلال عصور الأئمة جميعهم بأحسن حالاً من المجتمع الأول الذي قتل امير المؤمنين وخذل ابنه الحسن وقاتل ابنه الحسين عليهم السلام . ان لم يكن قد تزايد لهوه وبطره وحرصه على المصالح واللذاذات ، نتيجة لانكباب الخلفاء انفسهم على ذلك ، فان الناس بدين ملوكهم ، مع انعدام أو ضآلة المد الكافي لتوعية المجتمع وارجاعه إلى فهم دينه الحنيف .

ومن ثم لم يكن لهم في الخلافة مطمع، لانهم لم يكونوا يريدون السير على الخط (الأموي – العباسي) للخلافة، ذلك الخط المنحرف الذي يؤمن للناس اطماعهم ويقسم المجتمع إلى نعمة موفورة وإلى حق مضيع.

فكان الهدف الأساسي للأئمة عليهم السلام ينقسم إلى أمرين مترابطين :

أحدهما : حفظ المجتمع من التفسخ والانهيار الكلى ، أو بتعبير آخر : حفظ الثمالة المشعة من الحق ، المتمثلة بهم وبمواليهم وقواعدهم الشعبية. ثانيها: السعي إلى تأسيس المجتمع الاسلامي الواعي ، ورفع المستوى الايماني في نفوس افراده ، تمهيداً لنيل الخلافة الحقة وتطبيق المنصب الالهي الذي يعتقدون استحقاقه.


صفحة (104)
 

وكانوا يعملون على تنفيذ ذلك ، في حدود الامكان الذي يناسب مع الحذر من الجهاز الحاكم وتجنب شره . إذ لم يكن من المصلحة، ان يقوم الامام عليه السلام بحركة ثورية عشوائية بجماعة قليلة تؤدي به وبجميع أصحابه إلى الاستئصال التام ، ولا يتحقق شيء من ذينك الغرضين.

فهذا هو السر الاساسي للسلبية التي سار عليها الأئمة عليهم السلام تجاه السلطات الحاكمة ، وهو الذي يفسر لنا – على تفصيل وتحقيق لا مجال له هنا – اعلان الامام الحسن عليه السلام الصلح مع معاوية.

ورفض الامام الرضا عليه السلام ولاية العهد التي عرضها عليه المأمون.

وهوالسبب الذي ادى إلى الموقف السلبي للامامين العسكريين عليهما السلام اللذين نورخ لهما وهو الذي ادى – في نهاية المطاف – إلى غيبة الامام المهدي عليه السلام ، على ما سنعرف .


صفحة (105)

 

سفره إلى سامراء :

وشى عبد الله بن محمد الذي كان يتولى الحرب والصلاة بمدينة الرسول المنورة ، بالامام المهدي عليه السلام، وكان يقصده بالاذى. فبلغ إلى الامام خبر وشايته ، فكتب إلى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد عليه السلام ، وكذبه فيما سعى به (1) .

فنرى كيف ان عبد الله بن محمد يمثل الخط العام للدولة ، في الفزع من نشاط الامام وتصرفاته ، وكيف وصل به الحال إلى ان يرسل إلى المتوكل بخبره ، باعتباره حريصاً على مصالح الدولة ، ومنتبهاً على مواطن الخطر ؟! ولعله التفت إلى بعض النشاطات المهمة التي كان يقوم بها الامام بعيداً عن السلطات ، فاوجس منها خيفة حدت به إلى هذه الوشاية.

الا ان المتوكل كان يعلم بكل وضوح ، عدم امكان الحصول على أي مستند ضد الامام عليه السلام ، فان للأئمة عليهم السلام ، كما سبق ان قلنا اساليباً من الرمزية والاخفاء يمكنهم خلالها القيام بجملة من جلائل الأعمال .

_________________

(1) انظر الارشاد 313 .


صفحة (106)