القسم الأول

تاريخ الإمامين العسكريين

 من عام 234هـ إلى عام 260هـ

 

الفصل الأول 

في عصرهما عليهما السلام

 

لا بد ، لنا ونحن في صدد الكلام عن تاريخ الإمامين العسكريين ، ابتداء من أول سكنى الإمام الهادي عليه السلام ، في سامراء عام 234 هـ حين اشخصه المتوكل إليها ، وانتهاء بوفاة الإمام العسكري عليه السلام 260 هـ لا بد لنا أن نلم المامة كافية ، بالحوادث الجارية في عصرهما والأفكار السائدة فيه ، حتى نكون على بصيرة من أمرنا حين نواجه تاريخ هذين الإمامين عليهما السلام ، ونسمع ما يصدر منهما من أقوال وما يقومان به من أفعال .

وسيكون هذا العرض ـ في واقعه ـ عرضاً لعصره خلافة سامراء ابتداء من العالم المشار إلى قبيل آخره . وسيكون هذا العرض ، تحليلياً، لا تاريخياً صرفاً ، إذ لا معنى لسرد الحوادث بشكل تفصيلي ، مع وجود المصادر الكثيرة للتاريخ العام. وإنما الذي نحن بصدده ، هو إعطاء صورة كافية عن اتجاهات الحوادث وأسبابها ونتائجها ، بشكل تحليلي منظم .


صفحة (55)
 

وعلى ذلك ، فالذي يظهر أو يستنتج من التاريخ الإسلامي العام :

إن المعتصم بالله العباسي ، حين رأى ازدحام الموالي في جيشه وقواده من الأتراك والمغاربة والفراغنة ، في العاصمة بغداد ، وتعرضهم إلى الأهالي بالاذى وعدم عنايتهم بالسلوك الحميد تجاه الناس (1) ، قرر بناء سامراء ونقل مركز الخلافة اليها ، لنقل هذا الجيش إليها .

وانتقل إليها فعلاً عام 220 للهجرة (2) . واستقل هؤلاء القواد بالعاصمة الجديدة وسيطروا شيئاً فشيئاً على دفة الحوادث ومجريات الامور ، حتى وصلوا إلى السيطرة على مركز الخلافة نفسها ، فأصبحوا يزعجون الخليفة ، ويشغبون عليه تارة ، ويقتلونه أخرى ، ويتحكمون في تنصيب خليفة ، ثالثة . وقد ذاق منهم الخلفاء الثمانية الذين تتابعوا على عرش سامراء الأمرين ، حتى خرج منها المعتمد في عام 279 (3) إلى حيث مات ، واستهل خلفه المعتضد خلافته ببغداد في نفس العام (4) ومن هنا نرى أن سامراء ، كانت عاصمة الخلافة العباسية ، أكثر من نصف قرن أصبحت خلالها زهرة البلدان ودرة التيجان ، لا أجمل ...

ــــــــــــــــــــــــــ

(1)    المروج ص 465 جـ 3 والكامل ص 236 جـ 5 وتاريخ سامراء ص 101.

(2)    الكامل : نفس الصفحة ، وتاريخ سامراء عن الطبري ص 101 وعن معجم الحموي ص 19.

(3)    الكامل ص 73 جـ 6 والعبر جـ 2 ص 24 وتاريخ سامراء ص 221 .

(4)    الكامل جـ 6 ص 73 والمروج ض 143 جـ 4 وابن الوردي جـ 1 ص 242 .


صفحة (56)

 

... ولا أعظم ولا آنس ولا أوسع ملكاً منها(1) ، وأصبح طول البناء فيها أكثر من ثمانية فراسخ (2) . ولكنها اصبحت خراباً بمجرد انتقال الخلافة عنها ، وغاز نبعها دفعة واحدة ، حتى لم يبق منها إلا موضع غيبة الإمام المنتظر المهدي (ع) ، ومحلة أخرى بعيدة عنها يقال لها : كرخ سامراء . وسائر ذلك خراب ، يستوحش الناظر إليه(3).

وقد تعاقب على سامراء من خلفاء بن العباس ، ثمانية ، هم : المعتصم منذ انتقاله إليها عام 227 هـ حيث بويع بعده للواثق حتى عام 232 هـ حيث بويع بعده للمتوكل حتى عام 247 هـ يوم قتله الأتراك بعد ليلة حمراء زاخرة باللهو والشرب(4) فبويع بعده للمنتصر حيث بقي في الخلافة ستة أشهر ويومين(5) . وبايع الأتراك بعده المستعين عام 248 هـ حتى خلع نفسه عام 252 وبايع للمعتز بالله (6) حتى خلعه الأتراك عام 255 ، وبويع للمهتدي بالله حتى قتله الأتراك أيضاً عام 256 هـ . وبويع للمعتمد على الله حتى عام 279 هـ . وبويع بعده للمعتضد بالله في بغداد وبه كانت نهاية العاصمة (سامراء) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)    تاريخ سامراء ص 56 ، عن الحموي .

(2)    نفس المصدر والصفحة .

(3)    تاريخ سامراء ص 96 عن الحموي .

(4)    الكامل ص 302 جـ 5 . وما بعدها .

(5)    المصدر ص 310 وانظر المروج ص 46 جـ 4.

(6)    انظر المروج ص 60 جـ 4 .


صفحة (57)