يقول: رايت في نومي النبي (ص)  ومعه جماعة من اصحابه. فقال لي:  يا بغا احسنت إلى رجل من امتي ، فدعا لك بدعوات استجيبت له فيك. قال: فقلت يا رسول الله ومن ذلك  الرجل ؟ قال : الذي خلصته من السباع فقلت : يا رسول الله .سل ربك أن يطيل عمري .

فرفع يديه نحو السماء وقال : اللهم أطل عمره وأتم أجله .فقلت: يا رسول الله ، خمس وتسعون سنة .فقال رجل كان بين يديه : ويوقي من الآفات ، فقلت للرجل: من انت .قال: أنا علي بن ابي طالب .

فاستيقظت من نومي ،أنا أقول : علي بن أبي طالب .

ومهما كان رأيك في صدق الاحلام وكذبها ،فإننا وجدنا بغا يعيش نيفا وتسعين سنة  حتى توفي عام 248 (1) وفي نقل آخر انه كان حياً عام 153 حين قتل وصيف التركي(2)..... وعلى أي حال فهذا لا  يعدو ان يكون مرجحاً لطول عمره.

وينقل التاريخ للامام الهادي عليه السلام موقفاً واحداً اتجاه بغا الكبير يدل على التأييد الضمني له، وذلك اثناء وجود الإمام في الدينة المنورة قبل انتقاله إلى سامراء ، فإنه في عام 230 هـ أغار الأعراب من بني سليم على المدينة ونهبوا الأسواق وقتلوا النفوس ،ولم يفلح حاكم المدينة في دفعهم رغم القتال الشديد ،بل انتصروا فازداد شرهم واستفحل امرهم .فوجه إليهم الواثق العباسي بغا الكبير ففرقهم وقتل منهم وأسر آخرين وانهزم الباقون (3).

ــــــــــــــــــــ

(1) المصدر والصفحة    (2) المصدر ج4ص75

(3) الكامل لإبن الأثير ج5ص335


صفحة (160)

 

وبالطبع فإن مثل هذه الحوادث المؤسفة تؤلم قلوب الناس وبخاصة قلب المؤمن الذي يشعر بتعاليم الاسلام والمسؤولية الدينية .فكيف بحال الامام عليه السلام ... ومن ثم نرى الامام حين ورود بغا بجيشه الى المدية. نراه يقول لاصحابه : اخرجوا بنا حتى ننظر الى تعبئة هذا التركي .يقول الراوي :فخرجنا فوقفنا.(1)

وكان الامام (ع) بصفته الرئيس والموجه لأصحابه ومواليه يريد أن يشجع بغا ويؤيده ضد هذا العمل التخريبي المؤسف ،وإن كان التاريخ قد أهمل تماماً ، ما إذا وقع بين الإمام وبغا شيء من الكلام أو بين أصحابهما شيء من المداولات .

الموقف الثاني : للإمام عليه السلام تمهيده لغيبة حفيده محمد بن الحسن بن علي الحجة المنتظر ،وذلك بتحضير الذهنية العامة لدى قواعده الشعبية ، لتقبل فكرة الغيبة .

وتبليغ الإمام عن ذلك كان منصباً على مواليه ومقتصراً على أصحابه الخاصين ، ولم يكن يعم الآخرين ،لأنهم لم يكونوا يؤمنون بتسلسل خط الأئمة الإثني عشر ، إذن فيكون تبليغهم بذلك تبليغاً بلا موضوع.

ــــــــــــــــــــ

(1) الكامل ج5 ص270

(2) انظر الإعلام الورى ص243 وكشف الغمة ص178 ج3


صفحة (161)

 

ويلاحظ في تبليغ الإمام عليه السلام التخطيط  لحماية الحجة المهدي عند غيبته . فكلام الإمام حوله محاط بهالة من القدسية والغموض ، ومشفوع بالتأكيد المتزايد بأنه لا يحل لأحد ذكر اسمه .وذلك توصلاً إلى عدم تسر به إلى الجهاز الحاكم .

وقد وردت  عنه – بهذا الصدد- عدة أحاديث نقتصر على بعضها:

فمن ذلك قوله (ع) – في كلام له : ومن بعدي الحسن ابني .فكيف للناس بالخلف من بعده ، قال الراوي : فقلت :وكيف ذلك يا مولاي .

قال: لأنه لا يرى شخص هو لا يحل ذكر اسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا ،كما ملئت جوراً وظلماً

ومن غامض قوله (ع) في ذلك :إذا رفع علمكم من بين أظهركم فتوقعوا الفرج من تحت أقدامكم .وقوله .فإني لكم بالخلف بعد  الخلف (1).

ولا يخفى ما في الغموض من مصلحة خفاء المهدي (ع) حتى من أصحابه ومواليه .فإن المستوى العام الذي يجب ان يشتركوا فيه هو الإيمان بوجوده ،وأنه الثاني بعد الإمام الهادي (ع) وهو معنى : الخلف بعد الخلف .إلا أن معرفتهم بالتفاصيل فهو مما لا سبيل إليه، لأن أفراد أصحابه ومواليه يختلفون في مقدار ضبطهم وصمودهم أمام الإغراء والتهديد ،فإذا عرفنا أن الدولة كانت مستعدة لبذل المستحيل ومختلف أساليب الإغراء والتهديد في سبيل القبض عليه ، لعلمنا أنه يجب أن

ــــــــــــــــــــ

(1) نظر الإكمال المخطوط وانظر الخبر الأول في الكافي المخطوط.


صفحة (162)

 

يبقى اسم المهدي (ع) ومكانه وسائر أموره غامضة ومختفية حتى عن كثير من الموالين ، لما يخشى من ضعفهم أمام الجهاز الحاكم.

ولذا سنرى الإمام الحسن العسكري لا يعرض ابنه المهدي (ع) إلا على القليل من أصحابه بالمقدار الذي تقوم به الحجة على الناس مع الضمان الكامل لنجاته من براثن الجهاز الحاكم ، فكان موقف المهدي عليه السلام تمهيداً لموقف ابنهالإمام العسكري عليه السلام من ذلك ، وتهيئة للذهنية العامة تجاهه.

 

صفحة (163)