الجانب الثاني: تبشيره عليه السلام لأصحابه بالنجاة من بعض ما كان بقع عليهم من الحيف والسجن ونحوه .

ولا يخفى ما في ذلك من رفع لمعنوياتهم ، وتجديد لاستعدادهم إلى العمل الجديد .. وتركيز ايمانهم بسبب تحقيق التبوءة بالبشارة

فمن ذلك: ان الامام حين يكون هو وبعض اصحابه في سجن المهتدي العباسي يقول لأحدهم : في هذه الليلة يبتر الله عمره. قال الراوي : فلما أصبحنا شعب الأتراك وقتل المهتدي وولي المعتمد مكانه . وقد سبق الحديث في ذلك .

ومن ذلك: موقفه عليه السلام تجاه جماعة من أصحابه كانوا رهن الاعتقال تحت اشراف صالح بن وصيف . وهم : ابو هاشم الجعفري وداود بن القاسم والحسن بن محمد العقيقي ومحمد ين ابراهيم العمري وغيرهم . فبينما هم فيه إذ يدخل عليهم الامام ومعه اخوه جعفر. فيخف الجماعة لاستقباله والترحيب به فيقول لهم فيما يقول-: لولا ان فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متى يفرج عنكم . ويومي إلى جمحي كان معهم في الحبس يدعي أنه علوي ، ويأمره بالخروج فيخرج . قال الراوي: فقال أبو محمد : هذا ليس منكم فاحذروه ، فان في ثيابه قصة قد كتبها إلى السلطان يخبره فيها بما تقولون فيه ...

 

 صفحة (202)

 

فقام بعضهم ففتش ثيابه فوجد القصة يذكرنا فيها بكل عظيمة(1).

ولعلك تلاحظ مقدار صرامة الدولة في ملاحقة أصحاب الامام عليه السلام وملاحقتهم ، حتى في اثناء الاعتقال، حيث وضعت عليهم عيناً يرفع عنهم التقارير إلى الدولة من دون أن يعلموا بهويته. وقد كان بارعاً في أداء عنله بادعاء كونه علوياً لئلا يكون لهم حرج في التكلم أمامه .

ومن هنا نرى ان الامام يكشقه أولاً لأصحابه أمام هذا الرجل نفسه ، ثم يحذرهم منه ، ثم يخبرهم بالتقرير الذي يحمله. أما تفتيش ثياب الرجل فهو (خطوة ثورية) لم تكن بأمر الامام لمنافاتها لمنهج السلبية .. وانما كان ارتجالاً من أحد اصحابه حيث حمله الغضب من هذا الرجل على ذلك . ولم يردعه الامام لأجل الاظهار العملي لصدق قوله عند استخراج التقرير منه .

وسيكون هذا درساً عملياً لهذه الجماعة الصالحة لم يكونوا يعرفوه قبل ذلك ، وهو امكان ملاحقة الدولة لهم بالرقابة السرية حتى في السجن ، واحتمال أن يكون احد المسجونين عيناً عليهم . ومن هنا يكون لزاماً عليهم تطبيق سياسة السلبية حتى في مثل هذه المواطن.

وهناك أمثلة اخرى لمواقف الامام هذه ، يطول بنا المقام عند استيعابها، على اننا لسنا في مقام التفصيل والاستيعاب.

 ــــــــــــــــ

(1) أنظر كشف الغمة ج 3 ص 222 . والمناقب ج 3 ص 536 . وأعلام الورى  ص 354 ونور الأبصار ص 166 وما بعدها


صفحة (203)

 

النقطة الثانية: من موقف الامام تجاه أصحابه: مساعدته لهم بالامداد المالي لأجل مصالحهم الشخصية والعامة.

ونجن عرفنا فيما سبق الموارد المالية للامام عليه السلام ، حينما تكلمنا عنها في الامام الهادي (ع) . وقلنا انها تتكون من الأموال التي تجلب طبقاً للأحكام الاسلامية من مختلف بقاع بلاد الاسلام التي تحتوي على قواعده الشعبية ، بواسطة الوكلاء المنتشرين فيها .

وبالرغم من محاولة اخفاء هذه الناحية اخفاءً تاماً ، من قبل جانب الامام من جهة وجانب السلطات من جهة اخرى ، والسرية التامة التي كانت تكتنف كثيراً منها. إلا انه وردنا – بالرغم من ذلك – المقدار الكافي لتكوين فكرة واضحة.

فالامام عليه السلام يقبض من بعض الرسل اربعة آلاف دينار(1) ومن آخرين مائة وستون صرة من الذهب والفضة(2) وبدفع رسول آخر ما معه من المال إرى المبارك خادم الامام بامر منه عليه السلام ، وكان قد حمله من الموانلين في جرجان(3) وستبقى هذه الأموال ترد إلى حين وفاة الامام وبعده فمنها مال جليل جمعه محمد بن إبراهيم بن مهزيار(4) ومنها سبعمأة دينار يأتي بها أحد الموالين(5) وثماينة عشر قيراطاً من...

ــــــــــــــــــــ

(1)  كشف الغمة ج 3 ص 216 .   (2)  الاحتجاج ج 2 ص 269 .

(3)  كشف الغمة ج 3 ص 217 .   (4)  الارشاد ص 331 .

(5)  اعلام الورى ص 420 .


صفحة (204)