القسم الثاني: وقوف الإمام لمصالح أصحابه وشد أزرهم من الناحية الإجتماعية أو السياسية، الإقتصادية ،وهذا ما نحاول استعراضه فيما يلي وتحديده في عدة نقاط:

النقطة الأولى: تحذيره عليه السلام لأصحابه من الوقوع في الشرك العباسي أو تبشيره لهم من النجاة منه ، فهنا – باعتبار ذلك ـ جانبان:

الجانب الأول : تحذيره عليه السلام إياهم من الوقوع في الشرك العباسي أو تهيئته الوسائل للنجاة منه.

فمن ذلك ما سبق في موقفه عليه السلام مع الخلفاء أنه كتب إلى أحد أصحابه قبل موت المعتز بنحو عشرين  يوماً : إلزم بيتك حتى يحدث الحادث(1) يعني بذلك موت المعتز .وكأنه عليه السلام كان يرى عليه خطراً يحيط به لو أن الرجل خرج من منزلة في حياة المعتز.

ومن ذلك، أنه كتب بنفس المناسبة ،وهو موت المعتز ، إلى محمد بن علي السمري ،وهو من خاصة أصحابه ورابع نواب ولده الحجة المهدي في غيبته الصغرى ،كتب إلأيه مخاطباً أصحابه: فتنة تضلكم. فكونوا على اهبة. قال السمري :فلما كان بعد ثلاثة أيام وقع بين بني هاشم وكانت لهم هنه لها شأن. فكتبت إليه :أهي هذه؟ قال: لا . ولكن غير هذه فاحترسوا . فلما كان بعد أيام كان من أمر المعتز ما كان(2) .

ـــــــــــــــ

(1) المناقب ج3ص536

(2) كشف الغمة ج3ص207
 

صفحة (199)


ويلاحظ في هذه الرواية عدة أمور:

طريق الخطابات المكتوبة وعدم المواجهة والمشافهة . ويندرج هذا ضمن التخطيط الذي كان يتبعه عليه السلام للتمهيد إلى الغيبة ، على ما أشرنا وسيأتي تفصيله .

الأمر الثاني : أنه ما الذي وقع بين بني هاشم ، حين كانت لهم هنة ذات شأن؟ .. لم يشأ الراوي الافصاح عن ذلك ولم يشأ التاريخ بيانه أيضاً . ولعل تزاعاً أو شغباً وقع بينهم نتيجة لمصالح خاصة أو انحراف لدى بعضهم .. فكان لهم نتيجة لوقوع هذا الحادث هنه .. يعني قد إتضحت أمام الآخرين احدى نقاط الضعف التي كان ينبغي ان تختفي عنهم وأن يرتفع الهاشميون عن مستواها فيما بينهم .

الأمر الثالث : اننا نستطيع أن تفهم من قوله : فكان من المعتز بعد امامة الامام العسكري عليه السلام .

ولكننا ينبغي أن نلوذ بالصمت تجاه السؤال عنه المصلحة التي يراها الامام في تحذيره لأصحابه من موت المعتز. وما الذي كان يحدث لأصحابه حين موت المعتز زيادة على حالهم الجارية آنئذ ، لو لم يأخذوا حذرهم ؟ .. هذا مما لا يستطاع الجواب عنه تاريخياً ، وإنما هو موكول إلى الظروف والملابسات التي يقدرها الامام عليه السلام في العصر الذي يعيشه .

 

صفحة (200)

 

ولعلنا نستطيع أن نقدم لذلك اطروحتين محتملتين :

الاطروحة الأولى : ان الدول حين انتهاء رئاسة شخص وابتداء رئاسة خلفه ، تكون عادة في ضعف وهبوط . ويكون في هذه الفترة من الهبوط نشاط ملحوظ للحاشية والبطانة والوزراء ونحوهم لأجل صيانة أساس الحكم والكيان القئم عند تبدل الرئيس . وهذه الفترة كانت تعيشها الأمة الاسلامية بين كل خليفتين . وباطبع .. يكون الجزء الأكبر من الحذر والمراقبة موجهاً ضد الامام وأصحابه ، بصفتهم أهم الجهات المعارضة للدولة .

وحيث كانت سياسة الامام عليه السلام قائمة على نوع من السلبية تجاه الدولة .. فقد أمر أصحابه بالصمت والكف عن النشاط الاعتيادي ، ما دامت الدولة في حالة بأهب وحذر ، ريثما يعود المياه إلى مجاريها ، ويستتب الأمر للخليفة الجديد .

الاطروحة الثانية: ان مراد الامام التحذير مما وقع عام 254هـ حيث أوقع مفلح – وهو أحد القواد الموالين للحكومة – بأهل قم فقتل منهم مقتلة عظيمة(1). ونحن نعرف ما في قم من القواعد الشعبية المهمة للامام عليه السلام وبينهم الكبراء والعلماء والأعيان. وهذا العام هو أول أعوام تولي الامام العسكري للأمامة بعد أبيه.

 ومن هنا نستطيع ان نفترض ان تحذير الامام كان مرسلاً إلى قم قبيل وقوع هذا الحادث ، لأجل ان يأخذ أصحابه اهبتهم تجاهه. وهذا الحادث وان نسب في الرواية – على فرض ارادته – إلى المعتز ، حين قال الراوي : فكان من أمر المعتز ما كان . إلا انه لا ينافي قيام (مفلح)  به ، فان القائد انما يقوم باعماله انطلاقاً من اوامر الخليفة ، فصح نسبته اليه .

ــــــــــــــــــــ

1-    الكامل ج ه ص 339 .

صفحة (201)