وهذه الرواية تدل على ان الكندي مر بمرحلة فكرية لم يكن يعترف فيها بالإسلام ،وهو وإن كان أمراً محتملاً، إلا أننا لا نستطيع التشبت بهذه الرواية ضد الكندي . فإنها من المراسيل التي لا تصلح للإثبات التاريخي(1). ولم نجدها في المصادر الأخرى لتاريخنا الخاص ، كما لم نجد ما يوازيها في تاريخ الكندي نفسه، في حدود ما أطلعنا عليه من مصادر .

ومن بياناته العلمية إيضاحه لأبي هاشم الجعفري ،وهو من خاصة أصحابه مسألة خلق القرآن(2) وله عليه السلام بيانات تفصيلية في تفسير القرآن وفي عصمة الملائكة وفي الأخلا ق الفاضلة(3).

ويذكر له ابن شهاب آشوب(4)، مرسلاً ، بياناً ضافياً ، أرسله عليه السلام إلى علي بن الحسين بن بابويه القمي، وهو من أجلة علمائنا المتقدمين  فقهاً ووثاقة ، يخاطبه فيه : يا شيخي يا أبا الحسن ، ونحن نعرف أن ابن بابويه توفي عام 329هـ(5) فتكون وفاته بعد وفاة الإمام العسكري عليه السلام المتوفي عام 260هـ بتسع وستين عاماً ، فمن المحتمل أنه عليه الرحمة عاصر الإمام شاباًفي نحو العشرين من العمر ، وكان وهو في مقتبل العمر شيخاً جليلاً له المرتبة الفضلى التي تؤهله لأن يخاطبه الإمام بهذا الأسلوب والله العالم بحقائق الأمور.

وعلى أي حال ، فالإمام – حسب الرواية – يؤكد في بيانه هذا على غيبة ولده الإمام المنتظر عليه السلام ، وعلى  الخلق الذي ينبغي أن يتحلى به الفرد المسلم في أيام الغيبة ،وهو الصبر وانتظار الفرج .

ـــــــــــــــ

(1) قالة يرويها ابن شهر أشوب في المناقب عن ابي القاسم الكوفي في كتاب (  التبديل ) مرسلة – بدون سند ـ

(2) المناقب ج3 ص535        (3) الإحتجاج ج2 ص250 وما بعدها

(4) المناقب ج3 ص527        (5) الكنى والألقاب ج1 ص218


صفحة (196)

 

فيكون هذا  البيان إحدى تمهيداته عليه السلام للغيبة ، وسوف نعرض لها في مستقبل البحث.

ونسب إليه أيضاً ، بشكل غير موثوق ، التفسير المشهور: بتفسير الإمام العسكري . وهو يحتوي على تفسير سورتي الحمد والبقرة بإستطرادرت كثيرة حول مناقشات دينية أو مذهبية أو روايات تاريخية وغير ذلك ، وهو ـ على أي حال ـ ليس بقلم الإمام عليه السلام بل بتقرير بعض طلابه عن تدريسه إياه . فكان عليه السلام يدرس الطالب حسب ما  يراه مناسباً مع فهمه ،وكان الطالب يتلقى عنه ويكتب ما يفهمه منه. ومن هنا جاء مستوى التفسير منخفضاً عن مستوى الإمام  بكثير .على أن روايته ضعيفة ، لا تصلح للإثبات التاريخي.

ونسب إليه أيضاً كتاب ترجمة في جهة رسالة المقنعة . يشتمل على اكثر من علم الحلال والحرام .ألفه سنة خمس وخمسين ومأتين . وأوله: أخبرني علي بن محمد بن موسى(1) يعني والده عليه  السلام .إذن فهو كتاب في الفقه بنحو الرواية .

وإذا نظرنا نجد أن المقتعة متاب في الفقه للشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ، احد مشايخ الطائفة الإجلاء وعلمائها القدماء .

المتولد سنة 336هـ والمتوفي عام 413هـ . وقد كتب عليه الشيخ محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه شرحه المشهور الموسوم بتهذيب الأحكام.

ـــــــــــــــ

(1) المناقب ج3 ص525
 

صفحة (197)

 

فخرج فتاواه كلها من الأخبار. أقول: وهذا الكتاب لا يناسب أن يكون هو المقصود لوجود البعد الزمني بينهما ، إذ كانت ولادة الشيخ المفيد متأخرة عن وفاة الإمام العسكري عليه السلام بست وسبعين سنة ،ولا نعلم بوجود كتاب آخر بهذا أفسم في عصره عليه السلام.

على انه لم يعرف معنى قوله: كتاب ترجمة في جهة رسالة المقنعة .

فهل هو نقل لهذا الكتاب من لغة أخرى أو هو استدراك عايها أو رد عليها أو تخريج لفتاواها أو أنه مكتوب على غرارها ..كل ذلك وغيره محتمل ..والله العالم .على أن الرواية في المناقب مرسلة غير قابلة للإثبات التاريخي .وهذا الكتاب غير موجود في اليد فعلاً، ومعه فلا يمكن نسبته إلى الإمام عليه السلام.

الموقف الثالث: موقفه عليه السلام تجاه أصحابه .محذراً لهم من الوقوع في الشرك العباسي أو معيناً لهم على توائب الدهر من الناحية الإقتصادية والإجتماعية .

والإمام عليه السلام في هذا الموقف يمارس نشاطه ، بصفته إماماً لمواليه، والمسؤول الأعلى عن مصالحهم واغراضهم الإسلامية .

وينقسم هذا الموقف إلى قسمين :

القسم الأول : قضاء الإمام للحاجات الشخصية الخاصة بأصحابه .

كإرشادهم إلى حقيقة عقائدية أو الدعاء لهم بمجيء ولد أو الإقتراح عليهم بتسميته أو الدعاء بالشفاء من المرض أو إعطائهم كميات محدودة من المال ، ونحو ذلك .وهو ما يخرج بنا استقصاؤه عن الغرض المقصود.

 

صفحة (198)