على ان السلطات بمختلف طبقات حكامها وموظفيها وأهل الأمر النافذ فيها ، وعلى تفاوتهم في التعصب أو حسن التفكير .. كانوا يعرفون في قرار قلوبهم وداخل نفوسهم ، حق الامام ويحترمونه بالغ الاحترام ويعتبرونه خير خلق الله في عصره بما له من العبادة والعلم والاخلاق والنسب .. لا يختلف في ذلك الموالون عن غيرهم، ولا الخلفاء عمن سواهم. وبخاصة المعتمد الذي رأيناه – في ابان احساسه بالضعف – يأتي إلى الامام العسكري عليه السلام بنفسه ويتوسل اليه ان يدعو له بالبقاء في الخلافة مدة عشرين عام .. فيجيبه الامام إلى طلبه ويدعو له.

وهذا الخليفة العباسي، هو الذي عاصر ايام الامام المهدي عليه السلام من أولها ، وتوفي الامام العسكري عليه السلام في أيامه . وهو الذي تصدى للفحص عن تركه الامام وورثته ومراقبة الحوامل من نسائه على ما سنذكر .. وكل ذلك يدل على انه يعرف الحي ويخاف منه .. ويفرق من فكرة المهدي ووجوده .. لعلمه انه الامام القائم بالحق الساحق للإنحراف والمنحرفين من الحكام والمحكومين .

وقد كانت أفكار المسلمين وبخاصة الموالين للأئمة عليهم السلام ، مليئة بالاعتقاد بوجود المهدي (ع) للتبليغ المستمر المتواتر منذ زمان النبي (ص). إلى زمان الامام الحسن العسكري (ع). يتعاضد في ذلك سائر المذاهب الاسلامية . ففي عين الوقت الذي يبلغ الامامان العسكريان عليهما السلام عن ولدهما المهدي (ع) ..

 

صفحة (240)

 

يكتب البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة  في صحاحهم اخباره وكلهم يعيشون في تلك الفترة من الزمن أو متقدمون عليها قليلاً(1) .. يروون هذه الأخبار عن النبي (ص) جيلاً بعد جيل .

ولم يكن ليفوت الامامين العسكريين (ع) التمهيد المباشر لغيبة الامام المهدي (ع) وتعويد أصحابهم فكراً سلوكاً عليها ، وذلك باتخاذ تظام الوكلاء أولاً وتخطيط الاحتجاب عن الناس ثانياً .. وكلا الامرين سوف يكون مطبقاً في الغيبة الصغرى للمهدي عليه السلام قليلاً مجملاً لبعده النسبي عن عهد المهدي عليه السلام . وقد تكفل القس

الأكبر من ذلك أبوه الامام العسكري عليه السلام .

فهذه هي الظروف العامة والخاصة التي ولد فيها الامام المهدي ، وقد عرفنا لكل فقرة منها شواهد ودلائل استعرضناها بالتفصيل .


أم المهدي(ع) :

يحسن بنا، وقد عرفنا تفاصيل ابيه وجده عليهما السلام. ان نحمل فكرة كافية عن امه الراضية المرضية المجاهدة كما وردت في التاريخ بشكل عام وفي مصادر الخاصة بشكل خاص .

ـــــــــــــــ

(1) فمن المتقدمين عليها البخاري صاحب الصحيح المتوفي عام 256 . ومسلم صاحب الصحيح المتوفي عام 261 . ومن المعاصرين لهذه الفترة ابن ماجة القزويني المتوفي عام 273 وأبو داود السجستاني المتوفي عام 275 وأبو عيسى الترمذي المتوفي عام 279 ( أنظر وفيات الاعيان وغيره ) .


صفحة (241)

  

كانت رضي الله عنها قبيل حملها بولدها المهدي (ع) امة مملوكة جلبت بواسطة الفتح الاسلامي الذي كان جارياً على قدم وساق في تلك العصور من بعض مدن الكفر إلى سامراء ، ودخلت في ملكية بعض أفراد اسرة الامام العسكري عليه السلام .

وكانت تسمى في ذلك المجتمع بأماء مختلفة، فهي: ريحانة ونرجس وسوسن وصقيل . وان كان الغالب عليما بين أفراد العائلة : نرجس . ويعود تعدد اسمائها إلى أحد أسباب :

السبب الاول: صلة الحب والرحمة بالجارية من قبل مالكها ، فهو يناديها بأفضل الأسماء لديه واجملها في ذوقه. ولذا كان جملة منها من أسماء الأزهار . لكن لا على ان يكون كل ذلك اسمها الحقيقي .. بل على اساس ان يحتفظ بالاسم الحقيقي في نفسه ويناديها بأي اسم شاء .. تودداً واستلطافاً .. واذ تسامع الناس بإختلاف النداء زعموا ان لها أسماء كثيرة ، ووردنا في التاريخ ذلك .

كذلك كان حال الجواري المحضيات عند مواليهن ... ولعله يكون منطبقاً على أم المهدي عليه السلام .

السبب الثاني: ان المجتمع في ذلك الحين ، إذ كان يجلب العبد أو الأمة بطريق السبي من البلاد البعيدة التي لا يحمل عنها وعن لغتها أي فكرة محددة ... ويكون للمالك حق التصرف فيه ، يستخدمه ويبيعه ويشتريه .. ولا يشعر بوجود شخصية هذا العبد أو ارادته ، أو أن يكون في مستقبل الدهر علماً من الاعلام ..

 

صفحة (242)