الفصل الرابع  

 

في تَاريخ الإمَام المهْدي (ع)

 

خِلالْ حـَيَاة أبيَه

 

وهذا الفصل في حقيقته مكمل للقسم الأول من الكتاب ولتاريخ الامام العسكري (ع) بالذات ، حيث يعرض إلى موقفه عليه السلام من ولده مفصلاً ، ثم إلى وفاته عليه السلام وإلى النتائج التي ترتبت على ذلك حيث يبدأ تاريخ الغيبة الصغرى الذي تعقد له القسم الثاني الآتي أن شاء الله تعالى .


عرض عام :

تميزنا بوضوح خلال سيرنا التاريخي، الظروف التي عاشها الامامين العسكريين عليهما السلام وولد فيها الامام المهدي (ع). فالبلد سامراء عاصمة الدولة العباسية يومذاك . وابوه وجده عليهما اللام ، قد قهرا من قبل السلطات على الاقامة في سامراء تطبيقاً لسياسة التقريب إلى البلاط .. التي عرفناها .

وهما عليهما السلام يتكقلان الاصلاح الاسلامي مهما وسعهما الأمر. ويمثلان جانب المعارضة الصامدة أمام انحراف الحكام عن الخط الرسالي الذي جاء به نبي الاسلام (ص)... بالشكل الذي لا يتنافى مع سياسة الملاينة التي اتخذاها تجاه الدولة .

 

صفحة (237)

 

وهما يقومان في عين الوقت بالرعاية العامة لمصالح أصحابها ومواليهما في شؤونهم العامة دائماً والخاصة في كثير من الاحيان. ويكون النشاط في الغالب سرياً محاطاً بالكتمان والرمزية قولاً وعملاً. ويختص الصيح منه بالخاص من الأصحاب الذين تعرف منهم قوة الارادة والصمود أمام ضغط الحكام .

والامامين عليهما السلام يقبضان الاموال ويوزعانها بحسب الامكان عن طريق الوكلاء المنتشرين لهم في مختلف بقاع البلاد الاسلامية. والوفود ترد بين حين وآخر من الموالين لهم في الأطراف حاملة المال والمسائل من بلادهم لأجل تسليمها وتبليغها للامام عليه السلام .

واما السلطات، بما فيهم الخليفة نفسه، على اختلاف شخصه وبما فيهم الأتراك والموالي، وخاصة القواد منهم. وكذلك العباسيون بشكل عام وعلى رأسهم الموفق طلحة بن المتوكل . وكذلك الوزراء والقضاة كإبن ابي داؤد وابن أكثم وابن ابي الشوارب وغيرهم .. كل هؤلاء يمثل خطاً واحداً من الناحية السياسية والاجتماعية ، اساسه الانتفاع المصلحي من الدولة القائمة المتمثلة بالخلافة العباسية . والحرص عليها أشد الحرص ، حفاظاً على مصالحهم ومنافعهم . فكان ذلك موجباً لحذر السلطات الدائم والتوجس المستمر من كل قول أو فعل يصدر من الامام عليه السلام أو من احد اصحابه .. فكان السجن والأغلال هو النهاية الطبيعية لكل من يفكر في ولاء الامام أو التعامل الاجتماعي معه.

 

صفحة (238)

 

بل ان الأمر ليشتد ويتأزم أحياناً فينتهي الامر إلى القاء القبض على الامام نفسه. ومن المعلوم ان القاء القبض على القائد ، هو سجن لكل مبادئه ومثله وقواعده الشعبية وتحد لها. ويبقى الامام مسجوناً مدة ، ثم يخرج ليسجن مرة ثانية .

وكانت السلطات تحاول جاهدة عزل القواعد الشعبية ، للأمام عن الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، فكان الفرد منهم يعاني الخوف والفقر والمرض ، من دون ان يجد ناصراً أو معيناً سوى ادعية امامه عليه السلام وقلوب اخوانه.

على اننا عرفنا ان الامام لم يكن مريداً الاستيلاء على السلطة في ذلك المجتمع المنحرف .. وانما كان غاية همه رعاية مصالح أصاحبه وادارة شؤونهم .. وكان هذا النشاط هو الذي يثير السلطات وينفرها ، منظماً إلى وهمها الخاطيء بإحتمال أخذ الامام بحقه الذي يعتقده مشروعاً في الاستيلاء على السلطة .. فكانت تبذل الجهود الجبارة ضد ذلك.

وقد استطاع الأمامان عليهما السلام ، بالرغم من كل ذلك ومن سياسة المراقبة والتقريب إلى البلاط .. ان يخفيا نشاطهما ويسترا الاموال والواردة اليهما والصادرة عنهما والتعاليم التي تبلغ من قبلهما. وبذلك استطاعا أن يأمنا قسطاً كبيراً من العذاب الذي كان يصيبهما وأصحابهما لولا ذلك ، وان يحققا كثيراً من المصالح التي كانت مما يحال دونهما بغير ذلك.

 

صفحة (239)