وكما تؤثر القوى المادية وظروف الإنتاج والطبيعة في الإنسان يؤثر الإنسان أيضاً فيما حوله من قوى وظروف ، ولا يوجد مبرر لافتراض أن الحركة تبتدأ من المادة وتنتهي بالإنسان إلا بقدر ما يوجد مبرر لافتراض العكس ، فالإنسان والمادة يتفاعلان على مر الزمن وفي هذا الإطار بإمكان الفرد أن يكون أكبر من ببغاء في تيار التاريخ ، وبخاصة حين ندخل في الحساب عامل الصلة بين هذا الفرد والسماء فإن هذه الصلة تدخل حينئذ كقوة موجهة لحركة التاريخ . وهذا ما تحقق في تاريخ النبوات وفي تاريخ النبوة الخاتمة بوجه خاص ، فإن النبي محمد (ص) بحكم صلته الرسالية بالسماء تسلم بنفسه زمام الحركة التاريخية وأنشأ مداً حضارياً لم يكن بإمكان الظروف الموضوعية التي كانت تحيط به أن تتمخض عنه بحال من الأحوال ، كما أوضحنا ذلك في المقدمة الثانية للفتاوى الواضحة .

وما أمكن أن يقع على يد الرسول الأعظم يمكن أن يقع على يد القائد المنتظر من أهل بيته الذي بشر به ونوه عن دوره العظيم .

 

صفحة (86)
 

7. ما هي طريقة التغيير في اليوم الموعود !

ونصل في النهاية إلى السؤال الأخير من الأسئلة التي عرضناها ، وهو السؤال عن الطريقة التي يمكن أن نتصور من خلالها ما سيتم على يد ذلك الفرد من انتصار حاسم للعدل وقضاء على كيانات الظلم المواجهة له ؟

والجواب : المحدد على هذا السؤال يرتبط بمعرفة الوقت والمرحلة التي يقدر للامام المهدي (ع) أن يظهر فيها على المسرح وإمكن افتراض ما تتميز به تلك المرحلة من خصائص وملابسات لكي ترسم في ضوء ذلك الصورة التي قد تتخذها عملية التغيير والمسار الذي قد تتحرك ضمنه ، وما دمنا نجهل المرحلة ولا نعرف شيئاً عن ملابساتها وظروفها فلا يمكن التنبؤ العلمي بما سيقع في اليوم الموعود وإن أمكنت الافتراضات والتصورات التي تقوم في الغالب على أساس ذهني لا على أسس واقعية عينيه .

 
صفحة (88)
 

وهناك افتراض أساسي واحد بالإمكان قبوله على ضوء الأحاديث التي تحدثت عنه والتجارب التي لوحظت لعمليات التغيير الكبرى في التاريخ ، وهو افتراض ظهور المهدي (عليه السلام) في أعقاب فراغ كبير يحدث نتيجة نكسة وأزمة حضارية خانفة . وذلك الفراغ يتيح المجال للرسالة الجديدة أن تمتد وهذه النكسة تهيء الجو النفسي لقبولها ، وليست هذه النكسة مجرد حادثة تقع صدفة في تاريخ الحضارة الإنسانية وإنما هي نتيجة طبيعية لتناقضات التاريخ المنقطع عن الله ـ سبحانه وتعالى ـ التي لا تجد لها في نهاية المطاف حلاً حاسماً فتشتعل النار التي لا تبقي ولا تذر ويبرز النور في تلك اللحظة ليطفئ النار ويقيم على الأرض عدل السماء .


صفحة (
89)
 

وسأقتصر على هذا الموجز من الأفكار تاركاً التوسع فيها وما يرتبط بها من تفاصيل إلى الكتاب القيم الذي أمامنا ، فإننا بين يدي موسوعة جليلة في الإمام المهدي "عليه السلام" وضعها أحد أولادنا وتلامذتنا الأعزاء

وهو العلامة البحاثة السيد محمد الصدر ـ حفظه الله تعالى ـ  وهي موسوعة لم يسبق لها نظير في تاريخ التصنيف الشيعي حول المهدي " عليه السلام " في احاطتها وشمولها لقضية الإمام المنتظر من كل جوانبها ، وفيها من سعة الأفق وطول النفس العلمي واستيعاب الكثير من النكات واللفتات ما يعبر عن الجهود الجليلة الذي بذلها المؤلف في إنجاز هذه الموسوعة الفريدة. وإني لأحس بالسعادة وأنا أشعر بما تملأه هذه الموسوعة من فراغ وما تعبر عنه من فضل وبناهة وألمعية وأسأل المولى ـ سبحانه وتعالى ـ أن يقر عيني به ويريني فيه علماً من أعلام الدين . والحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . وقد وقع الابتداء في كتابة هذه الوريقات في اليوم الثالث عشر من جمادى الثانية سنة 1397 هـ ووقع الفراغ منها عصر اليوم السابع عشر من الشهر نفسه.

والله ولي التوفيق .

 

محمد باقر الصدر

النجف الأشرف

 صفحة (90)