الناحية الثانية

في ذكر النصوص والأخبار الخاصة الدالة على التنبؤ بالمستقبل ، من وصف الزمان وأهله ، من حيث مقدار تمسكهم بالدين وشعورهم بالمسؤولية الإسلامية ، وما يصير إليه الأمر من فسادهم وانحرافهم . وما يستلزم ذلك من قبل الله تعالى ومن قبل الناس .

صفحة (239)

ونحن في هذا التاريخ ، وإن كنا قصرنا همنا في التعريض إلى الأخبار المروية من قبل المعتقدين بغيبة الإمام المهدي عليه السلام ، لنرى مقدار صدقها واتجاه تفكيرها . إلا أن وصف حوادث الزمان ، حيث نجده منقولاً من قبل الرواة من سائر مذاهب المسلمين ، فمن هنا كان الأفضل الإحاطة بهذه الروايات أيضاً .

ونحن توخياً للاختصار والضبط في نفس الوقت ، سوف نقتصر على ما أخرجه الصحيحان البخاري ومسلم من هذه الأخبار ، فيما إذا كان لهما في الحادثة المعينة رواية ، وإلا نقلنا عن الحفاظ الآخرين أيضاً . ونضم ذلك إلى الأخبار الأمامية المستقاة من المصادر القديمة .

ولولا هذا الاختصار لكان اللازم التعرض إلى عشرات الروايات في المعنى الواحد أو الحادثة الواحدة ، لتكثر مثل هذه الأخبار ، في المصادر بشكل واسع جداً . إلا أن الالتزام بذلك مما لا يلزم ، كما هو واضح ، بعد أن كان الصحيحان من ناحية والكتب الأمامية القديمة هي أوثق مصادر المسلمين المعروفة في العصر الحاضر .

ومن هذا المنطلق ،يمكن أن نتحدث في عدة جهات :

الجهة الأولى :

في الأخبار الدالة على صعوبة الزمان وفساده ، على شكل مطلق ، ليس فيه إشارة إلى حوادث معينة . وهي على عدة أقسام :

القسم الأول :

ما دل من الأخبار على امتلاء الأرض ظلماً وجوراً . وهو مضمون مستفيض بل متواتر بين الفريقين ، وإن امتنع الشيخان عن إخراجه .

صفحة (240)

أخرجه أبو داود مكرراً ، مرة بلفظ : يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً . وأخرى بلفظ : لو لم يبق من الدهر إلا يوم ، لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يلمؤها عدلاً كما ملئت جوراً . ومرة ثالثة بلفظ : المهدي مني ... يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً (1).

وأخرج في الصواعق المحرقة (2) عن أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه ما ذكرناه في اللفظ الثاني للحديث . وعن أبي داود والترمذي : لو لم يبق من الدينا إلا يوم واحد .. إلى أن قال : يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً . وعن الطبراني : فيبعث الله رجلاً من عترتي أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ... الحديث . وعن الروياني والطبراني (3) : المهدي من ولدي ... إلى أن يقول : يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً .

وغير ذلك كثير ، موزع في المصادر ، كالذي ذكره الشبلنجي في نور الإبصار والصبان في إسعاف الراعبين والشبراوي في الإتحاف وأبو نعيم الأصفهاني في أربعينه وسبط ابن الجوزي في تذكرته . وكما الدين بن طلحة في مطالب السؤول . مضافاً إلى ما أخرجه أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه والسيوطي في العرف الوردي ... إلى غير ذلك من المصادر .

وأما من روى هذا المضمون من علماء الإمامية ومصنفيهم ، فأكثر من أن يحصر . تعرض له كل من روى في العقائد أو التاريخ ، وتكلم عن الإمام المهدي (ع) .

والمراد بالظلم ، الإنحراف عن جادة العدل الإسلامي ، ونحوه الجور وهو الميل ، يقال : جار عن الطريق أي مال . وهذا الميل ، من وجهة نظر نبي الإسلام (ص) الذي روى عنه هذا الحديث الشريف ، هو الميل عن تعاليم الإسلام والعدل الصحيح ، على الصعيدين الفردي والإجتماعي .

والحديث نص واضح بامتلاء الأرض جوراً وظلماً قبل ظهرو المهدي (ع) في اليوم الموعود . وهو معنى ما قلناه طبقاً للقواعد العامة ، من أن إغلب الناس نتيجة للتمحيص الالهي ، سوف يسودهم الانحراف عقيدة أو سلوكاً ، بحيث يكون الاتجاه الظاهر للبشرية هو قيام النظام الفردي والإجتماعي على أساس مناقض مع تعاليم الإسلام ، من دون أن يكون للصالحين المخلصين ـ وإن كثروا ـ أثر مهم ونتائج ظاهرة .
ـــــــــــــــــ

  (1)
  
انظر سنن أبي داود ، جـ2 ، ص 422 . (2)   أنظر : ص 97 . (3)   نفس المصدر ، ص 98 .

صفحة (241)

وهذا لعمري ما كنا ولا زلنا نشاهده في عصور الفسق والضلالة التي نعيشها ونطلع عليها بالحس والعيان . فصلى الله تعالى عليك يا نبي الإسلام إذ تنبأت بذلك ... وسلام الله تعالى عليك يا مهدي الإسلام إذ تزيل كل ذلك وتبدله إلى القسط والعدل الكاملين الشاملين ، طبقاً لإرادة الله وتخطيطه .

القسم الثاني :

ما دل من الأخبار على وجود الفتن وازدياد تيارها وتكاثرها إلى حد مروع . أخرج ذلك العديد من رواة الفريقين . منها : ما رواه البخاري (1) من قوله صلى الله عليه وآله : يتقارب الزمان وينقص العمل ويلقى الشح وتظهر الفتن .... الخ الحديث . وما رواه أيضاً (2) من قوله (ص) : ستكون فتن ، القاعد فيها خير من القائم ... الخ الحديث . وأخرجه مسلم بألفاظ وأسانيد مختلفة (3) . وأخرج عنه (ص) أيضاً (4): أني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع المطر . وذكر له أكثر من إسناد واحد .

ومنها : ما رواه النعماني (5) عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، في حديث طويل يتحدث فيه عن (الفتن المضلة المهولة ) . وما رواه أيضاً (6) عن الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام أنه قال : لا يقوم القائم عليه السلام إلا على خوف شديد من الناس وزلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس ... الخ الحديث.
ــــــــــــــــ

 (1)
  
صحيح البخاري ، جـ 9 ، ص61 .  (2)   المصدر ، ص64 .  (3)   صحيح مسلم ، جـ 8 ،ص 168 و 169 .
(4)   نفس المصدر والصفحة . (5)   انظر غيبة النعماني ، ص 77 . (6)   المصدر ، ص 135 .

صفحة (242)

وللفتنة عدة معانٍ في اللغة ، يختلف معنى هذه الأحاديث الشريفة باختلافها ، وإن كان بالإمكان إرجاعها إلى معنى واحد شامل على ما سنذكر .

المعنى الأول :

الامتحان والإبتلاء والاختبار . وأصلها مأخوذ من قولك فتنت الفضة والذهب إذ أذبتهما بالنار لتميز الرديء من الجيد ... والفَتْن الإحراق . ومنه قوله تعالى : ﴿ يوم هم على النار يفتنون (1) .

ويؤيد كون المراد من الفتنة هو ذلك ، ما رواه النعماني في الغيبة (2) عن أبي الحسن عليه السلام في قوله تعالى: ﴿ ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون ... قال : يفتنون كما يفتن الذهب : ثم قال يخلصون كما يخلص الذهب .

فإذا تمّ هذا المعنى ، تلتحق هذه الأخبار بأخبار التمحيص والامتحان ، التي سوف نذكرها ، فإنها تتحد معها في المدلول ، باعتبار أن الفتنة بمعنى التمحيص والخلاص هو المشار في الحديث هو النجاح في التمحيص .

المعنى الثاني :

الكفر والضلال والإثم . والفاتن المضل عن الحق . والفاتن الشيطان .. وفتن الرجل أي أزله عما كان عليه . ومنه قوله عز وجل : ﴿ وإن كادوا ليفتنوك عن الذي أوحينا إليك . أي يميلوك ويزيلوك (3) .

وإذا تم هذا المعنى ، التقت هذه الأخبار مع الأخبار الناقلة لحدوث الظلم والجور ، في المضمون ... ونحوها مما نص على حدوث الكفر والضلال .

المعنى الثالث :

اختلاف الناس بالآراء (4) . ويؤيد كون المراد هذا المعنى ما رواه النعماني (5) في الحديث السابق عن محمد بن علي الجواد عليه السلام الذي قال فيه : وفتنة وبلاء يصيب الناس وطاعون وسيف قاطع بين العرب واختلاف شديد في الناس وتشتت في دينهم وتغير في حالهم .
ـــــــــــــــــــ
(1)  
لسان العرب ، مادة فتن .  (2)   المصدر ، ص 107 .  (3)   لسان العرب ، مادة فتن . (4)   المصدر نفسه . (5)   ص 135 .

صفحة (243)

وإذا كان هذا هو المعنى المراد ، فسيلتقي مضمونه بالأخبار الدال على حدوث التشتت والاختلاف ، التي سوف نذكرها .

المعنى الرابع :

القتل ، وما يقع بين الناس من القتال . ومنه قوله تعالى : ﴿ إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا (1) . ومعه تندرج في أخبار حدوث الهرج والمرج والقتل الآتية .

والصحيح أنه بالإمكان إرجاع هذه المعاني إلى معنى واحد ، أو فهم الفتنة الواردة في الأخبار على أساس مجموع هذه المعاني . فإن التمحيص الالهي ، وهو المعنى الأول ، ينتج عند الفاشلين فيه الكفر والضلال ، وهو المعنى الثاني . وليس الكفر والضلال متمثلاً في مذهب معين ، بل في كثير من الآراء والمذاهب المتباينة في مدلوها المتناحرة في سلوكها . ومن هنا ينتج المعنى الرابع وهو القتل ، نتيجة لهذه الفوضى المذهبية أو الفكرية . ومن هنا وردت كل هذه الحوادث في الاخبار كما اشرنا وستطلع عليها تدريجياً .

القسم الثالث :

ما دل على الجزع من صعوبة الزمن وضيق النفس الشديد منه .
فمن ذلك ما أخرجه البخاري (2) بإسناده عن النبي (ص) قال: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول : يا ليتني مكانه . وأخرجه مسلم بنصه (3).
ـــــــــــــــــــــــ

 (1)
  
لسان العرب ، مادة فتن . (2)   جـ9 ، ص 73 . (3)   جـ 8 ، ص 182.

صفحة (244)

وأخرج مسلم (1) أيضاً عنه (ص) أنه قال : والذي نفسي بيده ، لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول : يا ليتني كنت مكان صاحب القبر ، وليس به الدين إلا البلاء .

وروى الصدوق في الإكمال (2) عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه يعاني المؤمنون في زمان الغيبة من " ضنك شديد وبلاء طويل وجزع وخوف " .

ومن الواضح أن الجزع وتمني الموت ، يكون نتيجة للشعور بالمشاكل والمصاعب التي يمر بها الفرد في المجتمع المنحرف . ذلك الإنحراف الناتج ـ في واقعه ـ من التخطيط الالهي كما عرفنا . إذن فهذه الحالة من نتائج هذا التخطيط ، وهي المنتجة في نهاية المطاف لنتيجتين مهمتين :

إحداهما : اليأس من القوانين والنظريات السائدة في العالم ، بعد أن أثبتت التجربة أنها لا تؤدي إلا إلى هذه المشاكل والمصاعب

ثانيتهما : تمني المستقبل العادل الذي يحل هذه المشاكل ويرفع هذه المصاعب ، كما سبق أن ذكر في المرتبة الرابعة من مراتب الإخلاص فيما سبق . وسيكون هذا الشعور من أفضل الضمانات ، للتأييد العام لليوم الموعود  ونحن إذا نظرنا إلى الواقع ، نجد أن الأمة الإسلامية عامة والقواعد الشعبية المهدوية خاصة ، قد مرت في كثير من عصور تاريخها الضنك والبلاء . حتى قيل في وصف عصور الحكم العباسي :

نحن والله في زمان بئــيس             لو رأيناه في المقام فزعنا

أصبح الناس فيه من سوء حال          حق من مات منهم أن يُهَنَّا

ـــــــــــــــــــ
 (1)
  
جـ 8 ، ص 183 .  (2)   انظر المخطوط .

صفحة (245)

وإن أعظم ضنك وبلاء يقع في البشر ، هو ما يكون من بعضهم تجاه البعض ، من الظلم والطغيان ، وخوف الأكثرية الكاثرة من القوى الجبارة الظالمة الحاكمة في العالم . وإن أعظم البلية بالنسبة إلى البشرية جمعاء في العصر الحاضر هو الخوف من اصطدام الأسلحة الفتاكة في العالم في حرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر . يكون الكل فيها هالكين مندحرين ليس فيها غالب أو منتصر . ولله في خلقه شؤون .

وعلى أي حال ، فمن المحتمل أن يتزايد الضيق والفتك بأضعاف ما هو عليه الآن ، خاصة بالنسبة إلى المؤمنين المخلصين في المجتمع الإسلامي ... بما يقابلون من تيارات التعسف والإنحراف الظالمة المعادية للإسلام . ولهم في المهدي وبركاته العامة ومستقبله العظيم ، أعظم السلوان والعزاء .

القسم الرابع :

ما دل على وجود الحيرة والبلبلة في الأفكار والاعتقاد .

كالخبر الذي روي عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال عن المهدي (ع) فيما قال : يكون له حيرة وغيبة تضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون (1) .

وإنما نسبت الحيرة إلى المهدي (ع) باعتبار كونها ناتجة من غيبته المستندة إليه .

إذ لو كان ظاهراً بين الناس لما وقعت هذه الحيرة ، كما هو معلوم .

ويمكن أن يراد بالحيرة عدة وجوه أو كل هذه الوجوه :

الوجه الأول :

الحيرة في العقائد الدينية ، نتيجة للتيارات الباطلة التي تواجه جهلاً وفراغاً فكرياً في الأمة ، مما يحمل الفرد الإعتيادي على الإنحراف .
ــــــــــــــــــــــــ

 (1)
  
انظر غيبة النعماني ، ص 104 وانظر إكمال الدين المحفوظ .

صفحة (246)

الوجه الثاني :

الحيرة بالعقائد الدينية ، بمعنى أن المؤمنين حين يحسون بالمطاردة والتعسف ضدهم وضد عقائدهم ، يحيرون أين يذهبون لكي ينجوا بالحق الذي يعتقدونه وبالاتجاه الإسلامي الذي يتخذونه .

الوجه الثالث :

الحيرة في الإمام المهدي (ع) بمعنى أن طول غيبته توجب وقوع الناس في الشك والإختلاف في شأنه . كما حدث في صفوف المسلمين فعلاً ، وقد أشارت إليه الأخبار التي سنسمعها فيما بعد .

الوجه الحيرة :

الحيرة بالجهاد الواجب في زمن الغيبة من دون قائد وموجه ورائد . فإن المؤمنين بتكليفهم الإسلامي من ذلك ، يشعرون في نفس الوقت بالأسف لعدم اتصالهم بالقائد العظيم الذي يوجههم إلى النصر .

وعلى أي حالة ، فكل ذلك مندرج في التخطيط الالهي ، مما لا بد أن يحدث في الناس نتيجة للغيبة ليشارك في التمحيص والاختبار ، فيرفع من إخلاص المخلصين ويعمق في كفر المنحرفين . وهو المراد بقوله : تضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون .

القسم الخامس :

ما دل على وقوع الهرج والمرج .

وهي أخبار كثيرة استقل بإخراجها الرواة العامة فيما أعلم . روى البخاري (1) عدداً منها و مرة بلفظ : أن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل ... إلى أن قال : ويكثر فيها الهرج . ذكر له أكثر من طريق . ومرة أخرى بلفظ : بين يدي الساعة أيام الهرج .

وأخرج مسلم (2) : فضل العبادة في الهرج كهجرة إليَ . يعني إلى النبي (ص) . وروى الآخرون ، كالترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم ، ما يدل على ذلك ، ونحن نقتصر على ما في الصحيحين .
ـــــــــــــــ

 (1)
  
انظر جـ 9 ، ص 61 . (2)   جـ 8 ، ص 208 .

صفحة (247 )

والمراد بالهرج بفتح الهاء وسكون الراء ، أحد أمرين :

الأول : الاختلاط والاضطراب المؤدي إلى القتل أو كثرته بين الناس . وتطبيقه في العالم في عصرنا الحاضر ما يسمى بحرب العصابات أو حرب الشوارع ، مع ما تصاحبه من الاضطرابات والبلبلة . وهذا المعنى هو الذي تؤيده المصادر اللغوية .

الثاني : القتل نفسه ، وإن لم يصاحبه الاضطراب . كما هو ظاهر بعض الأخبار ، فيما أخرجه البخاري (1) حيث فسر الهرج بالقتل في عدة أحاديث ، مع احتمال أن يكون التفسير من الراوي .

إلا أن الصحيح رجوع الأخبار إلى المعنى الأول ، وإن اندرج المعنى الثاني فيها بطبيعة الحال . فإنه قال : ويكثر فيها الهرج والهرج القتل ز إذن فالقتل فيها كثير ، وكثر القتل لا تكون إلا مع البلبلة والاضطراب . وأما انطباقه على القتل الفردي فلا دليل عليه .

وأما إناطتها بالساعة وجعلها من علاماتها ، فهو مما لا يخل بالمقصود لأن المراد وقوع ذلك قبل قيام الساعة ، ولو بزمان طويل . ومن المعلوم أن كل مايقع في الغيبة الكبرى فهو واقع قبل قيام الساعة ، فيكون من علاماتها وأشراطها بطبيعة الحال . وقد سبق أن ذكر أن كل فساد وانحراف يذكر في الأخبار ـ عموماً ـ فهو من أوصاف فترة الغيبة الكبرى ،المربوطة بالمهدي عليه السلام . وقد مررنا على ذلك إجمالاً ، وحولنا برهانه على ما سيأتي : وفي خبر مسلم  قوله (ص) : العبادة في الهرج كهجرة إليّ .... زيادة على المعنى العام الذي كنا نتوخاه ، زيادة زيادة واعية إسلامياً ومطابقة للقواعد العامة ، يأتي التعرض لها في الناحية الثالثة من هذا الفصل .
ـــــــــــــــ

(1)  
جـ 9 ، ص 61 .

صفحة (248)

فهذا هو المهم من الأخبار الدالة على فساد الزمان بنحو مطلق ، من دون الإشارة إلى حوادث بعينها . وقد ثبت من ذلك في حدود التشدد السندي الذي ذكرناه ... المعنى العام الذي يدل عليه المجموع وهو شيوع الفساد والإنحراف وعصيان الأوامر الإسلامية . بل وتثبت التفاصيل أيضاً باعتبار كثرة الأخبار فيها وجعل بعضها قرينة على بعض وجعل القواعد العامة قرينة أيضاً لما عرفناه من أن كل هذه التفاصيل مما يترتب على التخطيط الالهي .

الجهة الثانية :

في الأخبار الدالة على حدوث وقائع أو ظواهر معينة ، ناتجة عن الضلال والإنحراف .

القسم الأول :

في الأخبار الدالة على تحقيق الجهل وتفشيه في المجتمع الإسلامي .

فمن ذلك ما أخرجه البخاري (1) من الحديث النبوي القائل : أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل .... الحديث . وأخرج في حديث آخر (2) : أن يقل العلم ويظهر الجهل . وأخرج في موضع آخر (3) : إن بين يدي الساعة أياماً يرفع فيها العلم وينزل فيها الجهل .

وفي موضع رابع أخرج البخاري (4) من قوله (ص) : يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن ويكثر الهرج ... الحديث .

وأخرج مسلم عدة متون بهذا المضمون ، في باب خاص بذلك (5) لا حاجة إلى الإطالة بذكرها . وأخرجها غيرهما ، كابن ماجه والترمذي وأحمد .
ـــــــــــــ

(1)  
جـ 1 ، ص 30 . (2)   نفس الجزء ، ص 31 .(3)   جـ 9 ، ص 61 . (4)   جـ 1 ، ص 31 . (5)   انظر جـ 8 ، ص 85 .

صفحة (249 )