|
||
|
كتاب الزكاة
ومن جملة مستحقي الزكاة : الغارمون . وفسرها الفقهاء بأنهم الأفراد الذين ركبتهم الديون وعجزوا عن أدائها . ويشترط فيها أمران : أحدهما : أن لا تكون هذه الديون مصروفة بالباطل . فإن كانت كذلك لم يعط من الزكاة لأدائها . ثانيهما : أن يكون الفرد صالحاً في نفسه مؤدياً لفرائض ربه . كالصلاة التي هي عمود الدين .
ولكن قد تفسر العبارة بكون رقم الديون عالياً . وكلها مما يعجز عن أدائها عادة . فلو كان الدين قليلاً لم يعط من الزكاة ، ولو كان عاجزاً عن أدائها . وهذا الوجه قابل للمناقشة فقهياً ، لا أقل من كونه مخالفاً لإطلاق الآية ، من حيث صدق الغارم على المدين بالقليل وعلى المدين بالكثير ، ما دام يستبعد قدرته على أدائه . وتمام الكلام في محله .
وهذا الغير الذي يغمط حقه صنفان لأنه : إما أن يكون هو المخلوق وإما أن يكون هو الخالق ، فذلك الآخر يكون مديناً أو غارماً .
صفحة (31) وإذا استقام هذا الفهم ارتبط الأمر مباشرة بحق الناس وحق الله ، فأي حق أديته لصاحبه ، فهو المطلوب ، وإلاَّ كنت مديناً على أدائه ، ومشغول الذمة أو المسؤولية في التحلل من صاحبه والتوبة أمامه جهد الإمكان .
وتفترق حقوق الناس عن حقوق الله تعالى بنقطة ضعف ونقطة قوة . أما نقطة الضعف: فلأن حقوق الناس أهون غمطاً من حقوق الله . للفرق بين أهمية الله وأهمية الناس أنفسهم. لوضوح أن الفرق كلما كان أهم كان غمطه أصعب ، يعني أشد مسؤولية .
وأما نقطة القوة ، في حقوق الناس ، فلأن حقوق الله سبحانه أسهل أداء بالتوبة والإنابة ، والله سبحانه غفور رحيم ، وسريع الرضا . وهكذا أراد لنفسه جل جلاله معاملة الخلق بالرحمة التي وسعت كل شيء . في حين أن أداء حقوق الناس يتوقف على رضاء الطرف. مع أنه قد لا يرضى إلاَّ بصعوبة أو يكون استرضاءه صعباً ويحتاج إلى المرور ونحو ذلك . او قد تترتب عليه فتن . فيبقى الحق مسجلاً غير قابل للأداء .
ولسنا الآن بصدد ذكر تفاصيل هذه الحقوق , فإنها تخرج بنا عن صدد موضوعنا .
وإنما نريد الآن أن نعطي الأمثلة لحقوق الله سبحانه التي يمكن للعبد أن يغمطها ويتجاوز عليها ، وعند ذلك يكون العبد مديناً ويكون الله دائناً بالمعنى الأخلاقي ، إلاَّ أنه يختلف عن سائر الدائنين من عدة جهات :
أولاً : إنه يحلل دائنيه ويفرغ ذممهم من كثير من ديونه : بالعفو والصفح والمغفرة .
ثانياً : إنه يصبرعلى طول الدين . فإن تباطأ الفرد في أدائه عفا عنه . ثالثاً : إن هذا الدين هو الذي يسبب للمدين طريق وفاء لما في ذمة المدين .
صفحة (32)
بل المسألة أكثر من ذلك ، فإن هذا الدين يعتبر ما أخذه من الدين من مدينه ديناً في ذمته يستحق عليه أداؤه . وهذا معناه أن الله تعالى كأنه يعتبر نفسه مديناً بالثواب لعبده : على أعماله الصالحة وطاعته . غير أن الفرق أن العبد كان بمنزلة العاجز عن أداء حق ربه . عندما يكون مديناً له . ولكن الله سبحانه قادر على أداء الدين الذي اعتبره على نفسه ، من إعطاء الثواب الجزيل والجزاء الجميل .
وهذا من المعاني المقصودة في العبارة الواردة في الدعاء : وأنت الوهاب ثم لما وهبت لنا من المستقرضين . بل الأمر أكثر من ذلك ، فإن العبد بصفته مديناً لله سبحانه لا يستطيع أن يدفع كل دينه ، بل تبقى نسبة منه غير مدفوعة لا محالة ، لاستحالة أن يطاع الله تعالى حق طاعته وأن يؤدي الله كل حقه . فيبقى العبد راجياً للمغفرة والتسامح من هذه الجهة .
في حين أن الله سبحانه بصفته مديناً لعبده بالثواب فهو قادر على أدائه ، بل يؤدي بأضعاف مضاعفة . ويعطي بالحسنة عشر أمثالها بل أكثر حينما يقول :﴿ ولدينا مزيد ﴾ . فهي من هذه الناحية أشبه بالمعادلة الربوية حيث يعطي المدين أكثر مما أخذ . إلاَّ أنه يختلف عنهما ، بكون الربح الإضافي إنما هو مدفوع برضا المدين وبطيب قلب منه .
وقد شبّه الله تعالى ذلك في آية أخرى بالتجارة ، وأن هذه الزيادة كأنها ربح تجاري يأخذه الفرد من ربه ﴿تجارة تنجيكم من عذاب أليم ﴾ . يكون فيها الله مشترياً والعبد بائعاً .
ويحسن الآن أن نفي بالوعد الذي ذكرناه قبل صفحة بتعداد بعض حقوق الله سبحانه على عبده . أعني من جهة ما يتوقع من العبد أن يفعله تجاه ربه . فإن لم يفعل أو انه قصر في ذلك كان مديناً . وقد عرفنا أنه مقصر لا محال لاستحالة أن يعطي الله سبحانه كل حقه عن كل تلك الجوانب .
فمن حق الله أن يطاع في كل أوامره ونواهيه سواء الإلزامية منها أو
الاستحبابية . ومن حقه زيادة التركيز في الطاعة . ومن حقه الأخذ
بالرخصة ، كما ورد في بعض الأخبار . صفحة (33) |
|