فقد تكون الآية التي نحن بصددها دالة على هذا الأسلوب من الحشر. حيث يقول :
" ويوم نحشر من كل أمة فوجاً " . لأن حشر الجيل الواحد يتضمن أن يعود إلى الحياة جماعة من كل مذهب ودين :" من كل أمة" كما كان عليه الحال في الدنيا .وهو لا يريد إهمال الآخرين ، بل هو يشير إلى دفعة واحدة من الحشر التدريجي ،وأما الدفعات الأخرى فيأتي دورها تباعاً .ولن تكون مهملة بدليل قوله تعالى :"وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا " أي أن الحشر التدريجي سيستوعب في النتيجة كل البشرية من أولها إلى آخرها .
إذا ، فكلتا الآيتين تشير إلى يوم القيامة ،ولا تمت إلى الرجعة بصلة ،ولا أقل من احتمال ذلك بحيث تكون دلالتها على الرجعة غير ظاهرة.
الآية الثالثة :
" وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم  أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون"(1)
وطريقة دلالتها على الرجعة بأحد أسلوبين :
الأسلوب الأول : أن حادثة خروج دابة الأرض تكون عند الرجعة ، فهي تخرج مع الراجعين لتقوم بوظيفتها بينهم .
إلا أن هذا الأسلوب غير صحيح بكل وضوح ، لأن الآية لا تشير إلا إلى خروج دابة الأرض ، وأما أنها تخرج في جيل طبيعي في جيل الرجعة ، فهذا  ما لا تشير إليه الآية إليه بحال.
الأسلوب الثاني : أنها تشير إلى رجعة دابة الأرض نفسها أعني حياتها بعد الموت ، فهي تشير إلى رجعة شخص واحد لا أكثر. وإذا أمكن ذلك في شخص أمكن في عديدين .
وهذا يتوقف على أن نفهم من"دابة الأرض" أنه إنسان سبق له أن عاش في هذه الحياة .وفي الآية قرينة على بشرية هذه الدابة وهي قوله : "تكلمهم" فإن الكلام يكون من البشر دون غيره .ويتوقف على أن نفهم من قوله "أخرجنا " معنى ؛ : أرجعنا إلى الحياة بعد الموت ، لا أن هذا الإنسان يولد في حينه . 

صفحة (638)
ـــــــــــــــــ  
 

(1) 27  / 82

 

وقد يجعل قوله تعالى : " إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون" ، دليلاً على ذلك ، لأن الآية إنما تكون بالرجوع بعد الموت ،وأما لو كان يولد في زمانه ، لما حدثت  الآية ،وقد قامت الأخبار التي سمعنا طرفاً منها ، بتعيين هذا الإنسان بالإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).

والإنصاف أن فكرة الأسلوب الثاني هي المستفادة من الآية الكريمة . فدابة الأرض هو إنسان بعينه ، وقوله أخرجنا دال على الإيجاد غير الطبيعي لا على مجرد الولادة . إذاً، فالآية الكريمة دالة على رجعة هذا الإنسان.

غير أنها لا تدل على أي معنى آخر للرجعة ، لا العام ولا الخاص ،ومن المحتمل بل المؤكد أن هناك مصلحة في حكمة الله تعالى لرجوع دابة الأرض ، لا تتوفر في أي بشري آخر ،ومعه لا يمكن القول بالتعميم منه إلى رجعة أي شخص آخر. ومجرد الإمكان في قدرة الله عز وجل ، وهو مما لا شك فيه ، لا يدل على الوقوع الفعلي.

وإذا وصلنا إلى هذه النتيجة ،استطعنا أن نستنتج نتيجة أخرى مهمة ، هي التوحيد بين مدلول القرآن ومدلول الأخبار .فإنناعرفنا أن الأخبار لا يمكنها أن تثبت إلا المعنى الإجمالي الذي تواترت الأخبار عليه ،وهو رجوع بعض الأموات إلى الحياة قبل يوم القيامة، بشكل  يناسب أن يكون هذا الراجع واحداً لا أكثر .وهذا صالح للإنطباق على ما دل عليه القرآن الكريم من رجعة دابة الأرض .فإن هذا المعنى الإجمالي لم يثبت انطباقه بدليل كاف إلا على دابة الأرض فيتعين فيه ، بعد ضم الدليلين إلى بعضهما.

ومعه في الإمكان القول: إن المقدار الثابت في السنة الشريفة ، ليس أكثر مما دل عليه القرآن الكريم .كما أن ما دل عليه القرآن الكريم  هو بعينه ما ثبت في السنة.

ومعه ، فلم يثبت أي معنى من معاني الرجعة  ولا احتمالاتها السابقة ،وإنما لا بدلنا كمسلمين ،أن نتعبد بخروج دابة الأرض التي نطق بها القرآن الكريم .وفي الإمكان أن نسمي ذلك بالرجعة إلا أنه على خلاف اصطلاحهم.

فهذا هو نبذة الكلام حول الرجعة.

حكم الأولياء الصالحين:

أخرج الشيخ  في الغيبة(1) بسنده عن ابي حمزة عن أبي عبد الله (ع) – في حديث طويل-  أنه قال :

يا أبا حمزة ، إن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً.


صفحة (639)
ـــــــــــــــــ  
  

(1) ص285

 

وأخرج أيضاً(1) بإسناده إلى جابر الجعفي ، قال:

سمعت أبا جعفر(ع) يقول: والله ليملكن منا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة .قلت: متى يكون ذلك؟ قال: بعد القائم . قلت:وكم يبقى القائم في عالمه .قال:تسع عشر سنة .ثم يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين(ع) ودماء أصحابه ، فيقتل ويسبي ، حتى يخرج السفاح.

وأخرجه  النعماني في الغيبة(2) إلى قوله:

تسع عشر سنة ،إلا أنه قال : ثلاثمئة سنة ويزداد تسعاً.

وأخرج في البحار(3) نقلاً عن غيبة الشيخ عن أبي عبد الله الصادق (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين(ع) ، قال:

قال رسول الله (ص) في الليلة التي كانت فيها وفاته ، لعلي : يا أبا الحسن ، أحضر صحيفة ودواة .فأملى رسول الله (ص) وصيته حتى انتهى (إلى) هذا الموضع .فقال : يا علي: ،إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثني عشر مهدياً .فأنت يا علي أول الإثنا عشر إمام ... وساق الحديث ، إلى أن قال : وليسلمها الحسن (يعني الإمام العسكري (ع) إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم. فذلك اثني عشر إماماً. ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً. فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديين (المقربين: نسخة الغيبة). له ثلاثة أسامي:اسم كإسمي واسم أبي، وهو عبد الله ،وأحمد، والإسم الثالث: المهدي . وهو أول المؤمنين .

وفي عدد من الأدعية الواردة في المصادر الإمامية الدعاء لهؤلاء الأولياء الصالحين (ع) بعد الدعاء للمهدي (ع) والسلام عليه .


صفحة (640)
ـــــــــــــــــ  
 

(1) ص286.  (2) ص181.

(3) ج13 ص237 وانظر غيبة الشيخ.