وفي بعض الأدعية المكرسة للدعاء للمهدي (ع) والثناء عايه ، يقول في آخره :

اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده وزد في آجالهم ،وأعز نصرهم وتمم لهم ما اسندت إليهم من أمرك وثبت دعائمهم ، واجعلنا لهم أعواناً وعلى دينك أنصاراً ... الخ الدعاء(1) .

وفي دعاء آخر يذكر فيه المهدي (ع) ويثني عليه طويلاً، ويقال في آخره:

اللهم صل على وليك وولاة عهدك والأئمة من  ولده  ومد في اعمارهم وزد في آجالهم وبلغهم اقصى آمالهم ديناً ودنيا وآخرة .إنك على كل شيء قدير(2) .

إلى غير ذلك من الادعية.

هذا، وقد حاول المجلسي في البحار(3) أن يرفع التنافي بين هذه الأخبار من حيث كونها دالة على إيكال الرئاسة العليا بعد المهدي (ع) إلى غير الأئمة المعصومين عليهم السلام ،وبين القول بالرجعة الذي يقول: بإيكال الرئاسة إلى الأئمة المعصومين أنفسهم .حيث قال: هذه الأخبار مخافة للمشهور – يعني القول بالرجعة. وطريق التأويل أحد وجهين:

الأول:أن يكون المراد بالإثني عشر مهدياً: النبي وسائر الأئمة سوى القائم (ع)، بأن يكون ملكهم بعد القائم....

والثاني : أن يكون هؤلاء المهدويون من أحباء القائم هادين للخلق في زمن سائر الأئمة الذين رجعوا ، لئلا يخلو الزمان من حجة . وإن كان أوصياء الأنبياء الأئمة حججاً أيضاً .والله تعالى أعلم.

وقال الطبرسي في أعلام الورى(4):وجاءت الرواية الصحيحة بأنه ليس بعد دولة القائم دولة لأحد ، إلا ما روي من قيام ولده إن شاء الله ذلك ،ولم ترد في الرواية على القطع والثبات .وأكثر الروايات أنه لن يمضي – يعني المهدي القائم (ع) – من الدنيا إلا قبل القيامة بأربعين يوماً ، يكون فيها الهرج.


صفحة (641)
ـــــــــــــــــ  
 

(1) مفاتيح الجنان المعرب ص542.   (2) المصدر ص53.

(3) ج13 ص237.                    (4) ص435.

 

هذا ما قالته المصادر الإمامية ،ولم نجد لدولة ما بعد المهدي  في المصادر العامة أي أثر.

ونود أن نعلق أولاً على كلام المجلسي : انه يعترف سلفاً أن كلا الوجهين نحو من أنحاء التأويل ،والتأويل دائماً خلاف الظاهر ، فلا يصار إليه إلا عند الضرورة  ،ولا يكفي مجرد  الإمكان أو الإحتمال لإثباته.

وعلى أي حال ، فالوجه الأول حاول فيه المجلسي على ان يقول أن الأولياء الإثني عشر بعد المهدي (ع) هم الأئمة المعصومون الإثنا عشر أنفسهم، فترتفع المعارضة بين روايات الأولياء وروايات الرجعة .ويكون المراد منهما معاً الأئمة المعصومين أنفسهم.

إلا أن هذا الوجه قابل للمناقشة من وجوه نذكر منها اثنين:

الوجه الأول : إن عدداً من روايات الأولياء التي سمعناها، تنص على أن الأولياء الإثني عشر من ولد الإمام المهدي(ع) .قال في أحد الأخبار :" ثم يكون من بعده اثني عشر مهدياً ، فإذا حضرته الوفاة – يعني المهدي – فليسلمها إلى ابنه أول المهديين".

وقال في الدعاء "والأئمة من ولده" .مع أن الأئمة المعصومين السابقين هم آباء الإمام المهدي (ع) بكل وضوح .

الوجه الثاني: إننا لم نجد – كماعرفنا ـ دليلاً كافياً على عودة الأئمة الإثنا عشر كلهم ، لا بشكل عكسي ولا بشكل مشوش ،وإنما نص فقط – بعد النبي (ص) – على امير المؤمنين (ع) وابنه الحسين (ع) .

وإذا لم يثبت رجوع الأئمة الإثنا عشر جميعاً كيف يمكن حمل هذه الأخبار عليه.

وأما الوجه الثاني: االذي ذكره المجلسي ، فيتلخص في الإعتراف بوجود الأئمة المعصومين (ع) والأولياء الصالحين في مجتمع ما بعد المهدي (ع) متعاصرين. ولكن الحكم العام سيكون للمعصومين (ع) .وأما الأولياء فسيكونون هداة عاملين في العالم من الدرجة الثانية .وبذلك يرتفع التعارض بين الروايات.

وأوضح ما يرد على هذا الوجه هو أن روايات الأولياء ، صريحة بمباشرتهم للحكم على اعلى مستوى، بحيث يكون التنازل عن هذه الدلالة  تأويلاً باطلاً .كقوله :"ليملكن من أهل البيت رجل" وقوله :" فإذا حضرته الوفاة فليسلمها –  يعني الإمامة، أو الخلافة – إلى ابنه أول المهديين" قوله : "اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده "ونحوه في الدعاء الآخر.

 

صفحة (642)
 

ويحتوي كلام المجلسي في الوجه الثاني على استدلال ضمني على الرجعة مع جوابه.

وملخص الإستدلال :أنه ثبت في الفكر الإسلامي أن الأرض لا تخلو من حجة باستمرار ما دام للبشرية وجود، حتى لو كان اثنان كان أحدهما الحجة على صاحبه.ولكن الأرض بعد الإمام المهدي(ع) ستخلو من الحجة.ما لا نقل بالرجعة ، ليرجع الأئمة المعصومون (ع) ليكونوا هم الحجج بعده، تطبيقاً لهذه القاعدة .
إلا أنه من حسن الحظ أن يكون المجلسي نفسه قد أجاب على ذلك.

وملخص الجواب: إننا لا نحتاج إلى القول بالرجعة كتطبيق لتلك القاعدة بل إن حكم الأولياء الصالحين تطبيق لها أيضاً، قال المجلسي لأن" أوصياء الأنبياء و(أوصياء) الأئمة حجج أيضاً" فالأرض تكون مشغولة بصفتهم أوصياء للأئمة (ع) ، فلا تكون خالية من الحجة.

ومعه لا تكون هذه القاعدة مثبتة للرجعة،ولا منافية مع حكم الأولياء الصالحين.

وأما تعليقنا على كلام الطبرسي ،فهو أن ما ذكره من أن ما روي من قيام ولد المهدي (ع) بعده، لم يرد على القطع واليقين ، أمر صحيح لأن الروايات الدالة على حكم الأولياء الصالحين متواترة ،ولكننا سنرى أنها صالحة للإثبات التاريخي ، وهذا يكفينا في المقام.

وأما ما ذكر من أنه ليست بعد دولة القائم دولة لأحد ، فهو أمر صحيح لأنه إن أريد بدولة القائم نظام حكمه، فهو نظام مستمر إلى نهاية البشرية تقريباً أو تحقيقاً على ما سنسمع ، وليس وراءه حكم آخر .وإن أريد به حكمه ما دام في الحياة ،بحيث تنتهي البشرية بعده مباشرة ، فهو أمر غير محتمل لأنه امر تدل كثير من الروايات على نفيه، كروايات الرجعة وروايات الأولياء وروايات أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق وغير ذلك ، بل تدل على ذلك بعض آيات القرآن كآية دابة الأرض بعد العلم بعدم خروجها في زمن المهدي (ع) نفسه.

إذاً ، فالبشرية ، ستبقى بعد المهدي (ع) والنظام سوف يستمر ، وإنما يراد من ذلك القول: أنه ليس بعد دولة القائم دولة لأحد من المنحرفين والكافرين على الشكل الذي كان قبل ظهوره.


صفحة (643)