مقدمة

نقاط الضعف في التاريخ الإسلامي

 تمهيد :

إننا حين نريد أن نستوحي تاريخنا الإسلامي الخاص ، نجده بشكل عام ، غامضاً مليئاً بالفجوات والعثرات . يحتاج في تصفيته وترتيبه وأخذ زبدته المصفاة والعبرة المتوخاة إلى جهد كبير وفكر مضاعف جليل .

وهذا يعود إلى عدة أسباب ، لعلنا نستطيع أن نلم ببعض جوانبها المهمة فيما يلي :

الجانب الأول :

ما يرجع إلى واقع التاريخ المعاش آنذاك ... أي أن نفس حوادث التاريخ وتحركات أعلامه ، كان مقتضباً غامضاً مقيداً .


صفحة (19)
 

وذلك : أن أئمتنا عليهم السلام ، كانوا يمثلون على طول الخط ، دور المعارضة الإسلامية الصامدة ، ضد خطر الجهاز الحاكم الذي يمثل الانحراف عن تعاليم دينهم القويم ، بقليل أو بكثير . فإن الحكم وإن كان قائماً على اسم الإسلام ، ولم يكن الخليفة ليتسنم مركزه الكبير ، إلا باعتباره خليفة الرسول (ص) والخلفاء الراشدين من بعده . إلا أن شخص الخليفة ، إذ لم يكن قد تفهم الإسلام على حقيقته أو تشرب روحه وميزان عدله ؛ فكان يمارس الحكم على مقدار فهمه ، وأفق تفكيره ، مضافاً إلى سيطرة الآخرين على كثير من مراكز الدولة الحساسة ، ممن لا يفضلون على الخليفة نفسه ، بالوعي والروح ، وليسوا في حالة يحسدون عليه من هذه الناحية .

فكان موقف أئمتنا عليهم السلام ، ضد الجهات الحاكمة رأياً وتطبيقاً ، موقفاً حازماً صارماً ، مستمداً من حكمة الله تعالى وقوته وتوفيقه . فكان لهم موقفان أساسيان ، لا ترتاح إليهما الجهات الحاكمة :

الموقف الأول :

مطالبتهم الدائمة ، نظرياً ـ على الأقل ـ بمنصب رئاسة الدولة الإسلامية وتولي الإمامة في الأمة المرحومة ، وقيام كيان الأئمة عليهم السلام في تابعيهم وقواعدهم الشعبية الموسعة ، على ذلك .

فكان هذا مما يهدد الخلافة الأموية والعباسية في الصميم ، ويقض مضاجع الخلفاء ، ويجعلهم حذرين كل الحذر مما يقوم به الأئمة من افعال وما يصدر عنهم من أقوال، ويجعلونهم ، دائماً ، تحت المراقبة والاحتياطات المشددة ، بم يملك الحكم من سيطرة ونفوذ .


 
صفحة (20)
 

الموقف الثاني :

مما يرجع إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والاصلاح في أمة جدهم رسول الله (ص) ، نتيجة للظلم والانحراف والحروب المنحرفة والمصالح الشخصية ، التي كانت نافذة المفعول في المجتمع ، والذي خلف ـ في أغلب فترات التاريخ ـ بؤساً اقتصادياً وتخلفاً اجتماعياً مؤسفاً .

فكائن الأئمة (ع) يحسون بواجبهم ، ويشعرون بسمؤوليتهم ، بصفتهم الممثلين الحقيقيين لنبي الإسلام (ص) ، على ما يعتقدون ـ على الأقل ـ تجاه اصلاح وتقويم المعوج في الأمة الإسلامية ، بمقدار إمكانهم والفرص التي كانت تسنح لهم في خلال الأيام .

وهم في كل ذلك ، كانوا يتوخون ما تقتضيه المصلحة الإسلامية العليا في ذلك الحين ، بما يواجه المجتمع من مشاكل والدولة من أزمات .

فكان موقفهم ، تجاه صراع الدولة الإسلامية ، بما فيها الجهاز الحاكم ، مع الكفر ، ومع الأخطار المحدقة بالمسلمين ، من قبل الأعداء ، مادياً وعقائدياً ، موقف المؤيد للجهات الحاكمة ، تأييداً محترساً مقتضباً ، خشية أن تقع هذه الجهات في الانحراف ، حتى في هذا الحقل نفسه .


صفحة (21)